ومراقبة التجليات ، أم أكفر بالاحتجاب برؤية الأعمال ، والإدبار عن الحق بالغرور والعجب ، والوقوف مع المعقول والعقل.
[٤١] (قالَ نَكِّرُوا لَها عَرْشَها نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لا يَهْتَدُونَ (٤١))
(نَكِّرُوا لَها عَرْشَها) بتغيير العادات وترك المذمومات ، ونهك القوى الطبيعية بالرياضات ، وتنكيسه بجعل ما كان أعلى رتبة منه عندها وهي الهيئات البدنية وراحات البدن ولذاته ، وما كان في جهة الإفراط من الأكل والشرب والنوم وأمثالها ، والقوى الطبيعية المستعلية أسفل ، وما كان أسفل من أنواع التعب والرياضة والتقليل والسهر ، وكل ما مال إلى التفريط من الأمور البدنية والقوى الروحانية المستضعفة أعلى (نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي) إلى الفضائل وطرق الكمالات بالرياضة لنجاة جوهرها وشرف أصلها وحسن استعدادها وقبولها (أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لا يَهْتَدُونَ) إليها لعكس ما ذكر.
[٤٢ ـ ٤٤] (فَلَمَّا جاءَتْ قِيلَ أَهكَذا عَرْشُكِ قالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِها وَكُنَّا مُسْلِمِينَ (٤٢) وَصَدَّها ما كانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللهِ إِنَّها كانَتْ مِنْ قَوْمٍ كافِرِينَ (٤٣) قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ ساقَيْها قالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوارِيرَ قالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (٤٤))
(فَلَمَّا جاءَتْ) مترقية إلى مقام القلب متنوّرة بأنواره ، متخلّقة بأخلاقه ، منقادة مستسلمة بجنودها (قِيلَ أَهكَذا عَرْشُكِ) أي : على هذه الصورة المغيرة عرشك أم على الصورة الأولى؟أي : أهذا صورته المستوية التي ينبغي أن يكون عليها أم تلك ، وتلك منكوسة أم هذه (قالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ) أي : كأنّ هذا بالنسبة إلى حالي هو بالنسبة إلى الحالة الأولى ، أي : إذا كنت متوجهة إلى جهة السفل كان عرشي على تلك الصورة مطابقا لحالي ، وإذا توجهت إلى جهة العلو كان على هذه الصورة مستويا وموافقا لحالي (وَأُوتِينَا الْعِلْمَ) من قبل هذه الحالة ، أي : أوتيناه في الأزل عند ميثاق الفطرة (وَكُنَّا) منقادين قبل هذه النشأة إلا أننا نسينا فتذكرنا الساعة (وَصَدَّها ما كانَتْ تَعْبُدُ) من شمس عقل المعاش بصرفها إلى التوحيد (إِنَّها كانَتْ مِنْ قَوْمٍ) محجوبين عن الحق (قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ) أي : مقام الصدر الذي هو صرح ممرّد مملس عن تقابل الأضداد وتخالف الطباع مستويا بالتجرّد عن الموادّ من قوارير أنوار القلب الصافي المشبّه بالزجاجة في الصفاء والتنوّر (فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً) بحر الوحدة لكونه غاية رتبتها في التجرّد والترقي ونهاية كمالها في التداني والتلقي ، ولا يتجاوز نظرها إلى أعلى منه وكل ما لا يمكن فوقه من الكمال لشيء فيه نهايته في التوحيد ومعظم ما يستغرق فيه من جمال المعبود والمطلوب (وَكَشَفَتْ عَنْ ساقَيْها) يعني : جرّدت جهتها السفلية التي تلي البدن وتسعى بها فيه