بدونهما بخلاف العكس ، فلا يحسن وصفه إلا على هذا الترتيب.
[٥٢ ـ ٥٩] (وَنادَيْناهُ مِنْ جانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْناهُ نَجِيًّا (٥٢) وَوَهَبْنا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنا أَخاهُ هارُونَ نَبِيًّا (٥٣) وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِسْماعِيلَ إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ وَكانَ رَسُولاً نَبِيًّا (٥٤) وَكانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ وَكانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا (٥٥) وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا (٥٦) وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا (٥٧) أُولئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْراهِيمَ وَإِسْرائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنا وَاجْتَبَيْنا إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُ الرَّحْمنِ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيًّا (٥٨) فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَواتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (٥٩) وَنادَيْناهُ مِنْ جانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ) أي : طور وجوده الذي هو نهاية طور القلب في مقام السرّ الذي هو محل المناجاة ، ولهذا قال : (وَقَرَّبْناهُ نَجِيًّا) وسمي كليم الله. وإنما وصفه بالأيمن الذي هو الأشرف والأقوى والأكثر بركة احترازا عن جانبه الأيسر الذي هو الصدر ، لأن الوحي إنما يأتي من عالم الروح الذي هو الوادي المقدس (وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا) إن كان بمعنى المكانة فهو قربه من الله ورتبته في مقام الولاية من عين الجمع ، وإن كان بمعنى المكان فهو الفلك الرابع الذي هو مقرّ عيسى عليهالسلام لما ذكر من كونه مركز روحه في الأصل والمبدأ الأول لفيضانه إذا فاض عن محرك فلك الشمس ومعشوقه (إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُ الرَّحْمنِ) سمعوا بالنفس من كل آية ظاهرها ، وبالقلب باطنها ، وفهموا بالسرّ حدّها ، وصعدوا بالروح مطلعها ، فشاهدوا المتكلم موصوفا بالصفة التي تجلى بها في الآية (خَرُّوا سُجَّداً) فنوا في ذلك الاسم الذي تجلى به عند ظهوره بتلك الصفة الكاشفة عنها تلك الآية ، وبكوا اشتياقا إلى مشاهدته بسائر الصفات المشتمل عليه الرحمن أو الله وهو بكاء القلب إن لم يكن مستلزما لبقاء النفس من خوف البعد ، كما قال الشاعر :
ويبكي إن نأوا شوقا إليهم |
|
ويبكي إن دنوا خوف الفراق |
أضاعوا صلاة الحضور لكونهم في مقام النفس ، والحضور إنما يكون بالقلب ، ولا صلاة إلا به. ولذلك الاحتجاب بصفات النفس عن مقام القلب لزم اتباع الشهوات (فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا) شرّا وضلالا إذ كلما أمعنوا في اتباعها ازداد حجابهم فازداد ضلالهم وارتكبت الذنوب على الذنوب ، فازداد تورّطهم فيها ، كما قال عليه الصلاة والسلام : «الذنب بعد الذنب عقوبة للذنب الأول».
[٦٠ ـ ٦٣] (إِلاَّ مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئاً (٦٠) جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمنُ عِبادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا (٦١) لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً إِلاَّ سَلاماً وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَعَشِيًّا (٦٢) تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبادِنا مَنْ كانَ تَقِيًّا (٦٣))