مستحقرا لعلمه المعقول بالنسبة إلى العلوم الكشفية مستمدّا من فضل الحق ومقامه القدسي والعلم اللدني الكشفي.
(فَقالَ رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) أي : محتاج سائل لما أنزلت إليّ من الخير العظيم الذي هو العلم الكشفي وهو مقام الوجد والشوق ، أي : الحال السريع الزوال وطلبه حتى يصير ملكا.
[٢٥] (فَجاءَتْهُ إِحْداهُما تَمْشِي عَلَى اسْتِحْياءٍ قالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ ما سَقَيْتَ لَنا فَلَمَّا جاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٢٥))
(فَجاءَتْهُ إِحْداهُما) هي النظرية المتنوّرة بنور القدس التي تسمى حينئذ القوّة القدسية (تَمْشِي عَلَى اسْتِحْياءٍ) لتأثرها منه وانفعالها بنوره (إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ) أشار به إلى الجذبة الروحية بنور القوّة القدسية واللمة الملكية (لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ ما سَقَيْتَ لَنا) أي : ثواب ارتواء القوى الشاغلة الحاجبة من استفاضتك وتنوّرها بنورك فإنها إذا انفعلت بالبارق القدسي ، وارتوت بالفيض السريّ ، سهل الترقي إلى جناب القدس وقوى استعداد القلب للاتصال بالروح لزوال الحجب أو زوال ظلمتها وكثافتها.
(فَلَمَّا جاءَهُ) واتصل به وترقى في مقامه ، وأطلع الروح على حاله (قالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) وهو صورة حاله.
[٢٦] (قالَتْ إِحْداهُما يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (٢٦))
(قالَتْ إِحْداهُما يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ) أي : استعمله بالمجاهدة في الله والمراقبة لحاله في رعاية أغنام القوى حتى لا تنتشر فتفسد جمعيتنا وتشوّش فرقتنا ، وبالذكر القلبي في مقام تجليات الصفات والسير فيها بأجره ثواب التجليات وعلوم المكاشفات (إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ) لهذا العمل (الْقَوِيُ) على كسب الكمال (الْأَمِينُ) الذي لا يخون عهد الله بالوفاء بإبرازها في الاستعداد من وديعته أو لا يخون الروح بالميل إلى بناته فيحتجب بالمعقول. وقد قيل : إن الرعاء كانوا يضعون على رأس البئر حجرا لا يقله إلا سبعة رجال ، وقيل عشرة ، فأقله وحده وذلك قوته. وفيها إشارة إلى أن العلم اللدني لا يحصل إلا بالاتّصاف بالصفات السبع الإلهية أو العشر.
[٢٧] (قالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ وَما أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (٢٧))