(قالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ) أي : أجعلها تحتك ، تحظى عندك بنور القدس وعلوم الكشف وتكون بحكمك وأمرك لا تحتجب عنك بقولها (عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ) أي : تعمل لأجلي بالمجاهدة حتى تأتي عليك ثمانية أطوار هي أطوار الصفات السبعة الإلهية بالفناء عن صفاته في صفات الله التي آخرها مقام المكالمة مع طور المشاهدة التي يتم بها الوصول المطلوبة بقوله : (رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ) (١).
(فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً) بالترقي في طورين آخرين هما الفناء في الذات والبقاء بعده بالتحقق (فَمِنْ عِنْدِكَ) فمن كمال استعدادك وقوّته وخصوصية عينك واقتضاء هويتك وهي الكمالات العشر التي ابتلى بها إبراهيم ربّه فأتمهنّ فجعله إماما للناس في مقام التوحيد والله أعلم. (وَما أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ) أحمل عليك فوق طاقتك وما لا بقي به وسع استعدادك (سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ مِنَ الصَّالِحِينَ) المربين بما يصلح للوصول من الإفاضات والعلوم ، الهادين إلى ما في أصل الاستعداد من الكمال المودع في عين الذات بالأنوار ، غير مكلفين ما لم يكن في وسعك.
[٢٨] (قالَ ذلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوانَ عَلَيَّ وَاللهُ عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ (٢٨))
(ذلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ) ذلك الأمر الذي عاهدتني عليه قائم بيني وبينك ، يتعلق بقوّتنا واستعدادنا وسعينا ، لا مدخل لغيرنا فيه (أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوانَ عَلَيَ) أيما النهايتين بلغت فلا إثم عليّ ، إذ لا عليّ إلا السعي. وأما البلوغ فهو بحسب ما أوتيت من الاستعداد في الأزل وإنما تتقدّر قوتي في السعي بحسب ذلك والله هو الذي وكل إليه أمرنا وفي ذلك شاهد عليه ، أي : ما أوتينا من الكمال المقدّر لنا أمر تولّاه الله بنفسه وعينه من فيضه الأقدس لا يمكن لأحد تغييره ولا يطلع عليه أحد غيره ، ولا يعلم قبل الوصول قدر الكمال المودع في الاستعداد وهو من غيب الغيوب الذي استأثر به الله لذاته.
[٢٩ ـ ٣٣] (فَلَمَّا قَضى مُوسَى الْأَجَلَ وَسارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جانِبِ الطُّورِ ناراً قالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ ناراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (٢٩) فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ مِنْ شاطِئِ الْوادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يا مُوسى إِنِّي أَنَا اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ (٣٠) وَأَنْ أَلْقِ عَصاكَ فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يا مُوسى أَقْبِلْ وَلا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ (٣١) اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذانِكَ بُرْهانانِ مِنْ رَبِّكَ إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ (٣٢) قالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (٣٣))
__________________
(١) سورة الأعراف ، الآية : ١٤٣.