(سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ) نقويك بمعاضدته (وَنَجْعَلُ لَكُما) غلبة بتأثيرك فيهم بالقدرة الملكوتية وتأييدك العقل بالقوّة القدسية ، وإظهار العقل كمالك في الصورة العملية والحجّة القياسية (فَأَوْقِدْ لِي يا هامانُ) نار الهوى على طين الحكمة الممتزجة من ماء العلم وتراب الهيئات المادية (فَاجْعَلْ لِي) مرتبة عالية من الكمال ، من صعد إليها كان عارفا. وهو إشارة إلى احتجابه بنفسه ، وعدم تجرّد عقله من الهيئات المادّية لشوب الوهم. أي : حاولت النفس المحجوبة بأنانيته من عقل المعاش المحجوب بمعقوله أن يبني بنيانا من العلم والعمل المشوبين بالوهميات ، ومقاما عاليا من الكمال الحاصل بالدراسة والتعلّم لا بالوراثة والتلقي ، من استعلى عليه توهم كونه عارفا بالغا حدّ الكمال ، كما ذكر في الشعراء أنهم كانوا قوما محجوبين بالمعقول عن الشريعة والنبوّة ، متدربين بالمنطق والحكمة ، معتنين بهما ، معتقدين الفلسفة غاية الكمال ، منكرين للعرفان والسلوك والوصال (لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلى إِلهِ مُوسى) بطريق التفلسف ، وإنما ظنّه من الكاذبين لقصوره عن درجة العرفان والتوحيد ، واحتجابه بصفة الأنانية والطغيان والتفرعن بغير الحق من غير أن يتّصفوا بصفة الكبرياء عند الفناء ، فيكون تكبّرهم بالحق لا بالباطل عن صفات نفوسهم.
[٤٤ ـ ٤٥] (وَما كُنْتَ بِجانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنا إِلى مُوسَى الْأَمْرَ وَما كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ (٤٤) وَلكِنَّا أَنْشَأْنا قُرُوناً فَتَطاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ وَما كُنْتَ ثاوِياً فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا وَلكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (٤٥))
(وَما كُنْتَ بِجانِبِ الْغَرْبِيِ) أي : جانب غروب شمس الذات الأحدية في عين موسى واحتجابها بعينه في مقام المكالمة لأنه سمع النداء من شجرة نفسه ، ولهذا كانت قبلته جهة المغرب ودعوته إلى الظواهر التي هي مغارب شمس الحقيقة بخلاف عيسى عليهالسلام (إِذْ قَضَيْنا إِلى مُوسَى الْأَمْرَ) أوحينا إليه بطريق المكالمة (وَما كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ) مقامه في مرتبة نقبائه وأولياء زمانه الذين شهدوا مقامه ، ولكن بعد قرنك من قرنه بإنشاء قرون كثيرة بينهما فنسوا فأطلعناك على مقامه وحاله في معراجك وطريق صراطك ليتذكروا (وَما كُنْتَ ثاوِياً) مقيما (فِي أَهْلِ مَدْيَنَ) مقام الروح (تَتْلُوا عَلَيْهِمْ) علوم صفاتنا ومشاهداتنا ، بل كنت في