طريقك إذ ترقيت من الأفق الأعلى فدنوت من الحضرة الأحدية إلى مقام قاب قوسين أو أدنى ، فأخبرتهم بذلك عند إرسالنا إياك بالرجوع إلى مقام القلب بعد الفناء في الحق.
[٤٦] (وَما كُنْتَ بِجانِبِ الطُّورِ إِذْ نادَيْنا وَلكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٤٦))
(وَما كُنْتَ بِجانِبِ الطُّورِ) مقام السرّ واقفا (وَلكِنْ رَحْمَةً) تامّة واسعة شاملة (مِنْ رَبِّكَ) تداركتك ورقّتك إلى مقام الفناء في الوحدة الذي تتدرّج فيه مقامات جميع الأنبياء وصارت وصفك وصورة ذاتك عند التحقق به في مقام البقاء والإرسال لتعم نبوّتك بختم النبوّات و (لِتُنْذِرَ قَوْماً) بلغت استعداداتهم في القبول حدّا من الكمال ما بلغ استعدادات آبائهم الذين كانوا في زمن الأنبياء المتقدّمين وتدعوهم إلى كمال مقام المحبوبين الذي لم يدع إليه أحد منهم أمّته ف (ما أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ) يدعوهم إلى ما دعوت إليه (لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) بالوصول إلى كمال المحبة.
[٤٧ ـ ٥٣] (وَلَوْ لا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنا لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آياتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٤٧) فَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا لَوْ لا أُوتِيَ مِثْلَ ما أُوتِيَ مُوسى أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِما أُوتِيَ مُوسى مِنْ قَبْلُ قالُوا سِحْرانِ تَظاهَرا وَقالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كافِرُونَ (٤٨) قُلْ فَأْتُوا بِكِتابٍ مِنْ عِنْدِ اللهِ هُوَ أَهْدى مِنْهُما أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٤٩) فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّما يَتَّبِعُونَ أَهْواءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللهِ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (٥٠) وَلَقَدْ وَصَّلْنا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٥١) الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ (٥٢) وَإِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ قالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ (٥٣) الَّذِينَ آتَيْناهُمُ) العقل القرآني والفرقاني (مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ) لكمال استعدادهم دون غيرهم (إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ) وجوهنا لله بالتوحيد ، منقادين لأمره.
[٥٤] (أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِما صَبَرُوا وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (٥٤))
(أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ) أولا في القيامة الوسطى من جانب الأفعال والصفات قبل الفناء في الذات ، وثانيا في القيامة الكبرى عند البقاء بعد الفناء من الجنّات الثلاث (وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ) المطلقة من شهود أفعال الحق والصفات والذات (السَّيِّئَةَ) المطلقة من أفعالهم وصفاتهم وذواتهم (وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ) بالتكميل وإفاضة الكمالات على المستعدّين القابلين.