(لَهُ ما بَيْنَ أَيْدِينا) من أطوار الجبروت التي فوقنا وتتقدّم أطوارنا التي وجوهنا إليها ولا يحيط علمنا بها (وَما خَلْفَنا) من أطوار الملكوت الأرضية التي دون أطوارنا (وَما بَيْنَ ذلِكَ) من الأطوار الملكوتية التي نحن فيها ، كلهم في ملكة قهره وتحت سلطنة أمره وإحاطة علمه (وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا) ينسى شيئا يستعدّ لكمال فلا يفيض عليه أو تاركا لمستحق بدون حقه بل يحيط بكل الاستعدادات علما ويفيض الكمال عليها وينزل مقتضاها مع الحصول دفعة فإن تأخر الوحي فإنما كان من جهتك لا من جهته هو (رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما) يرب كلا منهما باسم يخصه ويدبره ويفيض ما يقتضيه حاله عليه فيرب الكل بجميع أسمائه (فَاعْبُدْهُ) بعبادتك التي يقتضيها حالك حتى تستعدّ لقبول الفيض ونزول الوحي ولا يكفي وجود العبادة بتهيئة الاستعداد بالتصفية مرة أو مرتين بل الدوام على ذلك معتبر ، فدم على ذلك الصفاء الموجب للقبول (وَاصْطَبِرْ) لعبادته بالتوجه إليه على الدوام (هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا) مثلا ، فتلتفت إليه وتقبل بوجهك نحوه فيفيض عليك مطلوبك (وَلَمْ يَكُ شَيْئاً) في عالم الشهادة محسوسا أو شيئا يعتدّ به ، كما قال : (لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً) (١) لأن الوجود العيني في الأزل قبل الخلق كلا وجود لانطماسه في عين الجمع (لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّياطِينَ) أي : لنحشرنّ المحجوبين المنكرين للبعث مع الشياطين الذين أغووهم وأضلوهم عن الحق لأنّ نفوس المحجوبين تناسب في الكدورة والبعد عن النور نفوس الشياطين ، فبالضرورة يحشرون معهم خصوصا إذا اتبعوهم في الاعتقاد (ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ) الطبيعة في العالم السفلي لاحتجابهم بالغواشي الهيولانية والغواسق الظلمانية في الهياكل السجنية مقرنين في الأصفاد ، سرابيلهم من قطران (جِثِيًّا) لاعوجاج هياكلهم بسبب عوج نفوسهم فلا يستطيعون قياما (ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ) أي : لنخصّن من كل فرقة من هو أشدّ عتيا على الرحمن بعذاب أشدّ على ما علمنا من حاله ، فنحن أعلم به منه ، فنصليه بعذاب هو أولى به.
[٧١] (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وارِدُها كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا (٧١))
(وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها) أي : لا بدّ لكل أحد عند البعث والنشور أن يرد عالم الطبيعة لكونها مجاز عالم القدس (كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا) أي : حكما جزما ، مقطوعا به. ومن بعث بردّ روحه إلى الجسد لا يمكنه الجواز على الصراط إلا بالجواز على جهنم ، لأن المؤمن لما جاء أطفأ نوره لهبها فلم يشعر بها. كما روي أنها تقول : جز يا مؤمن فإن نورك أطفأ لهبي. ولو سألته بعد دخول الجنة : كيف كان حالك في النار؟ لقال : ما أحسست بها. كما سئل الصادق عليهالسلام : أتردونها أنتم أيضا؟ فقال : جزناها وهي خامدة. وعن ابن عباس : يردونها كأنها إهالة. وعن جابر بن
__________________
(١) سورة الإنسان ، الآية : ١.