فتارة يتلوها الحق وتارة يتلوها الخلق (تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ) أهل الخشية من العلماء بالله لانفعالها بالهيئات النورانية الواردة على القلب النازل أثرها إلى البدن (ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ) وأعضاؤهم بالانقياد والسكينة والطمأنينة (إِلى ذِكْرِ اللهِ ذلِكَ هُدَى اللهِ) بالأنوار اليقينية (يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ) من أهل عنايته (وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ) يحجبه عن النور فلا يفهم كلامه ولا يرى معناه (فَما لَهُ مِنْ هادٍ أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذابِ) مع كونه أشرف الأعضاء لكون سائر جوارحه مقيدة بهيئات لا يتأتى له التحرّز بها ولا يتهيأ ، مغلّلة بأغلال لا يتيسر له بها الحركة في الدفع ولا يتسنى كمن أمن العذاب.
[٢٩] (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً رَجُلاً فِيهِ شُرَكاءُ مُتَشاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلاً الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٢٩))
(مَثَلاً) في التوحيد والشرك (رَجُلاً فِيهِ شُرَكاءُ مُتَشاكِسُونَ) سيّئوا الأخلاق لا يتسالمون في شيء يوجهه هذا في حاجة ويمنعه هذا ويجذبه أحدهما إلى جهة والآخر إلى ما يقابلها ، فيتنازعون ويتجاذبون وهذا صفة من تستولي عليه صفات نفسه المتجاذبة لاحتجابه بالكثرة المتخالفة فهو في عين التفرقة همّه شعاع وقلبه أوزاع (وَرَجُلاً سَلَماً لِرَجُلٍ) لا يبعثه إلا إلى جهته ، وهذا مثل الموحد الذي تسالمت له مشايعة السرّ إلى جناب الربّ ليس له إلا همّ واحد ومقصد واحد في عين الجمعية مجموع ناعم البال خافض العيش والحال.
[٣٠] (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (٣٠))
(إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ) معناه : كل شيء هالك إلا وجهه ، أي : فان في الله ، وهم في شهودك هالكون معدومون بذواتهم.
[٣١ ـ ٣٥] (ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ (٣١) فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكافِرِينَ (٣٢) وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (٣٣) لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذلِكَ جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ (٣٤) لِيُكَفِّرَ اللهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ (٣٥))
(ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ) الكبرى (عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ) لاختلافكم في الحقيقة والطريقة لكونهم محجوبين بالنفس وصفاتها ، سائرين بها طالبين لشهواتها ولذاتها ، وكونك دائما بالحق سائرا به طالبا لوجهه ورضاه (لِيُكَفِّرَ اللهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا) من صفات نفوسهم وهيئات رذائلهم (وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ) من تجليات صفاته وجنات جماله ، فيمحو ظلمات وجوداتهم بنور وجهه.