الأربعة من نفوسهم والسماء الدنيا واللوح المحفوظ وأمّ الكتاب.
[٥٣] (قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (٥٣))
(لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ) فإن القنوط علامة زوال الاستعداد والسقوط عن الفطرة بالاحتجاب ، وانقطاع الوصلة من الحق والبعد ، إذ لو بقيت فيه مسكة من النور الأصلي لأدرك أثر رحمته الواسعة السابقة على غضبه بالذات فرجا وصول ذلك الأثر إليه ، وإن أسرف في الميل إلى الجهة السفلية وفرط في جنب الحضرة الإلهية لاتصاله بعالم النور بتلك البقية. وإنما اليأس لا يكون إلا مع الاحتجاب الكلي واسوداد الوجه بالإعراض عن العالم العلويّ ، والتغشي بالغطاء الخلقي المادّي.
(إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً) بشرط بقاء نور التوحيد في القلب وهو مستفاد من اختصاص العباد لإفاضتهم إلى نفسه في قوله : (يا عِبادِيَ) (١) ، ولهذا قيل : يغفر جميعها للأمة المحمدية الموحدين دون سائر الأمم ، كما قال لأمّة نوح عليهالسلام : (يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ) (٢) أي : بعضها. (إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ) لهيئات الرذائل من الإفراط والتفريط (الرَّحِيمُ) بإفاضة الفضائل.
[٥٤ ـ ٥٩] (وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ (٥٤) وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ (٥٥) أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (٥٦) أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللهَ هَدانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (٥٧) أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (٥٨) بَلى قَدْ جاءَتْكَ آياتِي فَكَذَّبْتَ بِها وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ (٥٩))
(وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ) بالتنّصل عن هيئات السوء (وَأَسْلِمُوا لَهُ) وجوهكم بالتجرّد عن ذنوب الأفعال والصفات من قبل انسداد باب المغفرة بوقوع العذاب الذي تستحقونه بالموت فلا يمكنكم الإنابة والتسليم لفقدان الآلات وانسداد الأبواب (يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ) بترك السعي في طلب الكمال والتقصير في الطاعة حين كنت في جوار الله ، قريبا منه ، لصفاء استعدادي وتمكّني من السلوك فيه بوجود الآلات البدنية المعدّة لي.
__________________
(١) سورة الزمر ، الآية : ٥٣.
(٢) سورة نوح ، الآية : ٧١.