[٣٤ ـ ٤٢] (وَلَقَدْ جاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّناتِ فَما زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولاً كَذلِكَ يُضِلُّ اللهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتابٌ (٣٤) الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذلِكَ يَطْبَعُ اللهُ عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ (٣٥) وَقالَ فِرْعَوْنُ يا هامانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ (٣٦) أَسْبابَ السَّماواتِ فَأَطَّلِعَ إِلى إِلهِ مُوسى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كاذِباً وَكَذلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَما كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلاَّ فِي تَبابٍ (٣٧) وَقالَ الَّذِي آمَنَ يا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشادِ (٣٨) يا قَوْمِ إِنَّما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا مَتاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دارُ الْقَرارِ (٣٩) مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزى إِلاَّ مِثْلَها وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيها بِغَيْرِ حِسابٍ (٤٠) وَيا قَوْمِ ما لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ (٤١) تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللهِ وَأُشْرِكَ بِهِ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ (٤٢))
(كَذلِكَ يُضِلُّ اللهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتابٌ) كقوله : (إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ) (١) أي : الإضلال والخذلان كل واحد منهما مرتب على الرذيلتين العلمية والعملية.
فإن الكذب والارتياب كلاهما من باب رذيلة القوة النطقية لعدم اليقين والصدق والإسراف عن رذيلة القوتين الأخريين والإفراط في أعمالها.
والصرح الذي أمر فرعون هامان ببنائه هو قاعدة الحكمة النظرية من القياسات الفكرية ، فإن القوم كانوا منطقيين محجوبين بعقولهم المشوبة بالوهم غير المنوّرة بنور الهداية ، أراد أن يبلغ طرق سموات الغيوب ويطلع على الحضرة الأحدية بطريق الفكر دون السلوك في الله بالتجريد والمحو والفناء ولاحتجابه بأنانيته وعلمه قال : (وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كاذِباً وَكَذلِكَ) أي : مثل ذلك التزيين والصدّ (زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ) لاحتجابه بصفات نفسه ورذائله (وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ) لخطئه في فكره ، أي : فسد علمه ونظره لشدة ميله إلى الدنيا ومحبته إياها بغلبة الهوى بخلاف حال الذي آمن حيث حذر أولا من الدنيا بقوله : (يا قَوْمِ إِنَّما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا مَتاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دارُ الْقَرارِ) لسرعة زوال الأولى وبقاء الأخرى دائما (أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجاةِ) أي : التوحيد والتجريد الذي هو سبب نجاتكم (وَتَدْعُونَنِي) إلى الشرك الموجب لدخول النار (وَأُشْرِكَ بِهِ ما لَيْسَ لِي) بوجوده علم إذ لا وجود له (وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ) الغالب الذي يقهر من عصاه (الْغَفَّارِ) الذي يستر ظلمات نفوس من أطاعه بأنواره.
[٤٣ ـ ٥٠] (لا جَرَمَ أَنَّما تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيا وَلا فِي الْآخِرَةِ وَأَنَّ
__________________
(١) سورة غافر ، الآية : ٢٨.