من الآمال والأماني التي لا يدركونها (وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ) في القضاء الإلهيّ بالشقاء الأبديّ كائنين (فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ) المكذبين بالأنبياء والمحجوبين عن الحق من الباطنيين والظاهريين (إِنَّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ) لخسرانهم نور الاستعداد الأصلي ، وربح الكمال الكسبي ، ووقوعهم في الهلاك الأبديّ والعذاب السرمديّ.
(رَبَّنا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانا) أي : حنق المحجوبون واغتاظوا على من أضلّهم من الفريقين عند وقوع العذاب وتمنوا أن يكونوا في أشدّ من عذابهم وأسفل من دركاتهم لما لقوا من الهوان وألم النيران وعذاب الحرمان والخسران بسببهم وأرادوا أن يشفوا صدورهم برؤيتهم في أسوأ أحوالهم وأنزل مراتبهم ، كما ترى من وقع في البليّة بسبب رفيق أشار إليه بما أوقعه فيها يتجرّد عليه ويتغيظ ويكاد أن يقع فيه مع غيبته ويتحرّق.
[٣٠] (إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (٣٠))
(إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ) أي : وحدوه بنفي غيره وعرفوه بالإيقان حق معرفته (ثُمَّ اسْتَقامُوا) إليه بالسلوك في طريقه والثبات على صراطه مخلصين لأعمالهم عاملين لوجهه ، غير ملتفتين بها إلى غيره (تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ) للمناسبة الحقيقية بينهم في التوحيد الحقيقي والإيمان اليقيني والعمل الثابت على منهاج الحق والاستقامة في الطريقة إليه ، غير ناكثين في عزيمة ولا منحرفين عن وجهه ولا زائغين في عمل كما ناسبت نفوس المحجوبين من أهل الرذائل الشياطين بالجواهر المظلمة والأعمال الخبيثة فتنزّلت عليهم (أَلَّا تَخافُوا) من العقاب لتنوّر ذواتكم بالأنور وتجرّدها عن غواسق الهيئات (وَلا تَحْزَنُوا) بفوات كمالاتكم التي اقتضاها استعدادكم (وَأَبْشِرُوا) بجنّة الصفات (الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ) حال الإيمان بالغيب أو قالوا : (رَبُّنَا اللهُ) بالفناء فيه ثم استقاموا به بالبقاء بعد الفناء عند التمكين (تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ) للتعظيم عند الرجوع إلى التفصيل ، إذ في حال الفناء لا وجود للملائكة ولا لغيرهم ، ألّا تخافوا من التلوين ولا تحزنوا على الاستغراق في التوحيد ، فإن أهل الوحدة إذا ردّوا إلى التفصيل ورؤية الكثرة غلب عليهم الحزن والوجد في أول الوهلة لفوات الشهود الذاتي في عين الجمع والاحتجاب بالتفصيل حتى يتمكنوا في التحقق بالحق حال البقاء وانشراح الصدر بنور الحق فلا تحجبهم الكثرة عن الوحدة ولا الوحدة عن الكثرة ، شاهدين في تفاصيل الصفات عين الذات بالذات ، كما قال تعالى لنبيه عليهالسلام في هذه الحال : (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (١) وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ (٢) الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ (٣)) (١) وأبشروا بجنّة الذات
__________________
(١) سورة الشرح ، الآيات : ١ ـ ٣.