الشاملة لجميع مراتب الجنان التي كنتم توعدونها في مقام تجلّيات الصفات.
[٣١ ـ ٣٣] (نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيها ما تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيها ما تَدَّعُونَ (٣١) نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ (٣٢) وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صالِحاً وَقالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (٣٣))
(نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ) وأحباؤكم في الدارين للمناسبة الوصفية والجنسية الأصلية بيننا وبينكم ، كما أن الشياطين أولياء المحجوبين لما بينهم من الجنسية والمشاركة في الظلمة والكدورة (وَلَكُمْ فِيها ما تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ) من المشاهدات والتجليات والروح والريحان والنعيم المقيم أي : إذا بلغتم الكمال الذي هو مقتضى استعدادكم فلا شوق لكم إلى ما غاب عنكم ، بل كل ما تشتهون وتتمنون فهو مع الاشتهاء والتمني حاضر لكم في الجنان الثلاث (نُزُلاً) معدّا لكم (مِنْ غَفُورٍ) ستر لكم بنوره ذنوب آثاركم وأفعالكم وصفاتكم وذواتكم (رَحِيمٍ) رحمكم بتجليّات أفعاله وصفاته وذاته وإبدالكم بها إياها (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً) أي : حالا إذ كثيرا ما يستعمل القول بمعنى الفعل والحال منه ، قالوا : (رَبُّنَا اللهُ) أي : جعلوا دينهم التوحيد ، ومنهالحديث : «هلك المكثرون إلا من قال هكذا وهكذا ...» أي : أعطى. (مِمَّنْ دَعا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صالِحاً وَقالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) أي : ممن أسلم وجهه إلى الله في التوحيد وعمل بالاستقامة والتمكين ، ودعا الخلق إلى الحق للتكميل ، فقدّم الدعوة إلى الحق والتكميل لكونه أشرف المراتب ولاستلزامه الكمال العلمي والعملي ، وإلا لما صحت الدعوة وإن صحت ما كانت إلى الله ، أي : إلى ذاته الموصوفة بجميع الصفات ، فإن العالم الغير العامل إن دعا كانت دعوته إلى العليم ، والعامل الغير العالم إلى الغفور الرحيم ، والعالم العامل العارف الكامل صحّت دعوته إلى الله.
[٣٤ ـ ٣٥] (وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (٣٤) وَما يُلَقَّاها إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَما يُلَقَّاها إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (٣٥))
(وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ) لكون الأولى من مقام القلب تجرّ صاحبها إلى الجنّة ومصاحبة الملائكة ، والثانية من مقام النفس تجرّ صاحبها إلى النار ومقارنة الشياطين (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) إذا أمكنك دفع السيئة من عدوّك بالحسنة التي هي أحسن ، فلا تدفعها بالحسنة التي دونها ، فكيف بالسيئة؟! ، فإن السيئة لا تندفع بالسيئة بل تزيد وتعلو ارتفاع النار بالحطب ، فإن قابلتها بمثلها كنت منحطا إلى مقام النفس ، متّبعا للشيطان ، سالكا طريق النار ، ملقيا لصاحبك في الأوزار وجاعلا له ولنفسك من جملة الأشرار ، متسببا لازدياد الشرّ معرضا