سورة حم الدخان
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)
[١ ـ ٤] (حم (١) وَالْكِتابِ الْمُبِينِ (٢) إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ (٣) فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (٤) إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ) الليلة المباركة هي بنية رسول الله صلىاللهعليهوسلم لكونها حادثة مظلمة ساترة لنور شمس الروح ، ووصفها بالمباركة لظهور الرحمة والبركة من الهداية والعدالة في العالم بسببها وازدياد رتبته وكماله بها. كما سماها ليلة القدر لأن قدره عليهالسلام معرفته بنفسه وكماله إنما يظهر بها ، ألا ترى أنّ معراجه إنما كان بجسده؟ ، إذ لو لم يكن جسده لم يكن ترقيه في المراتب إلى التوحيد وإنزال الكتب فيها إشارة إلى إنزال العقل القرآني الجامع للحقائق كلها ، والفرقاني المفصّل لمراتب الوجود ، المبين لتفاصيل الصفات وأحكام تجلياتها ، المميز لمعاني الأسماء وأحكام الأفعال فيها وهو معنى قوله فيها : (فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) أو إلى إنزال الروح المحمدي الذي هو الكتاب المبين حقيقة في صورتها أو القرآن (إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ) لأهل العالم بوجوده.
[٥ ـ ٩] (أَمْراً مِنْ عِنْدِنا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (٥) رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٦) رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ (٧) لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (٨) بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ (٩))
(أَمْراً مِنْ عِنْدِنا) خصّ الأمر الحكمي بكونه من عنده لأن كل أمر يبتني على حكمة وصواب كما ينبغي من الشرائع والأحكام الفقهية إنما يكون من عنده مخصوصا به مطلقا لما في نفس الأمر وإلا كان أمرا مبنيا على الهوى والتشهي (إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ* رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ) تامة كاملة على العالمين بإنزاله لاستقامة أمورهم الدينية والدنيوية وصلاح معاشهم ومعادهم وظهور الخير والكمال والبركة والرشاد فيهم بسببه أو مرسلين إليك لرحمة كاملة شاملة عليهم (إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ) لأقوالهم المختلفة في الأمور الدينية الصادرة عن أهوائهم (الْعَلِيمُ) بعقائدهم الباطلة وآرائهم الفاسدة وأمورهم المخيلة ومعايشهم الغير المنتظمة ، فلذلك رحمهم بإرسال الرسول الهادي إلى الحق في أمر الدين ، الناظم لمصالحهم في أمر الدنيا. المرشد إلى الصواب فيهما بتوضيح الصراط المستقيم وتحقيق التوحيد بالبرهان وتقنين الشرائع وسنن الأحكام لضبط النظام.