تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (١١) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ (١٢) يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (١٣) قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمالِكُمْ شَيْئاً إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٤))
(وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) إلى آخره ، الاقتتال لا يكون إلا للميل إلى الدنيا والركون إلى الهوى والانجذاب إلى الجهة السفلية والتوجه إلى المطالب الجزئية ، والإصلاح إنما يكون من لوازم العدالة في النفس التي هي ظل المحبة التي هي ظل الوحدة ، فلذلك أمر المؤمنون الموحدون بالإصلاح بينهما على تقدير بغيهما والقتال مع الباغية على تقدير بغي إحداهما حتى ترجع لكون الباغية مضادة للحق دافعة له كما خرج عمار رضي الله عنه مع كبره وشيخوخته في قتال أصحاب معاوية ليعلم بذلك أنهم الفئة الباغية. وقيد الإصلاح في القسم الثاني وهو أن الباغية إحداهما بالعدل لأن بغي الطرفين يوغر الصدور ويهيج النفوس على الظلم فنهاهم عن ذلك إذ الإصلاح إنما يكون فضيلة معتبرة إذا لم يكن بالنفس بل بالقلب على مقتضى العدالة المحضة لإزالة الجور لا لغرض آخر كالحماية والحمية ورعاية المصلحة الدنيوية وغير ذلك ، ولذلك قال : (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) أي : المحبة الإلهية إنما تترتب على العدالة ، فالإصلاح إذا لم يكن عن عدالة لم يكن عن محبة ، وإذا لم يكن عن محبة فلا يحبهم الله لوجوب اقتضاء محبة الله إياهم محبتهم له ، واقتضاء محبتهم له العدالة ومحبة المؤمنين فلو أحبهم لأحبوه كما قال : (يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ) (١) ولو أحبوه لأحبوا المؤمنين ولزموا العدالة. ثم بيّن أن الإيمان الذي أقل مرتبته التوحيد والعمل يقتضي الأخوة الحقيقية بين المؤمنين للمناسبة الأصلية والقرابة الفطرية التي تزيد على القرابة الصورية والنسبة الولادية بما لا يقاس لاقتضائه المحبة القلبية اللازمة للاتصال الروحاني في عين جمع الوحدة لا المحبة النفسانية المسببة عن التناسب في اللحمة فلا أقل من الإصلاح الذي هو من لوازم العدالة وإحدى خصالها إذ لو لم يعدوا عن الفطرة ولم يتكدّروا بغواشي النشأة لم يتقاتلوا ولم يتخالفوا فوجب على أهل الصفاء بمقتضى الرحمة والرأفة والشفقة اللازمة للأخوة الحقيقية الإصلاح بينهما وإعادتهما إلى الصفاء.
__________________
(١) سورة المائدة ، الآية : ٥٤.