سورة ق
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)
[١ ـ ١٦] (ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ (١) بَلْ عَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقالَ الْكافِرُونَ هذا شَيْءٌ عَجِيبٌ (٢) أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً ذلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ (٣) قَدْ عَلِمْنا ما تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنا كِتابٌ حَفِيظٌ (٤) بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ (٥) أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّماءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْناها وَزَيَّنَّاها وَما لَها مِنْ فُرُوجٍ (٦) وَالْأَرْضَ مَدَدْناها وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (٧) تَبْصِرَةً وَذِكْرى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (٨) وَنَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً مُبارَكاً فَأَنْبَتْنا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ (٩) وَالنَّخْلَ باسِقاتٍ لَها طَلْعٌ نَضِيدٌ (١٠) رِزْقاً لِلْعِبادِ وَأَحْيَيْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذلِكَ الْخُرُوجُ (١١) كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ (١٢) وَعادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوانُ لُوطٍ (١٣) وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ (١٤) أَفَعَيِينا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ (١٥) وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ وَنَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (١٦))
(ق) إشارة إلى القلب المحمدي الذي هو العرش الإلهي المحيط بالكل كما أن (ص) إشارة إلى صورته على ما رمز إليه ابن عباس في قوله : (ص) جبل بمكة كان عليه عرش الرحمن حين لا ليل ولا نهار ، ولكونه عرش الرحمن ، قال : «قلب المؤمن عرش الله» ، وقال : «لا يسعني أرضي ولا سمائي ويسعني قلب عبدي المؤمن».
قيل : (ق) جبل محيط بالعالم وراءه العنقاء لإحاطته بالكل وكونه حجاب الربّ لا يعرفه من لم يصل إلى مقام القلب وإنما يطلع عليه من طلع هذا الجبل. أقسم به وبالقرآن المجيد أي : العقل القرآني الكامل فيه الذي هو الاستعداد الأولي الجامع لتفاصيل الوجود كله ، فإذا برز وصار إلى الفعل كان عقلا فرقانيا ولا يخفى مجده وشرفه بهذا المعنى ، أو القرآن المجيد النازل عليه الذي هو بعينه الفرقان البارز الذي أشرنا إليه جمعهما في القسم لتناسبهما وجواب القسم محذوف كما في (ص) وغيرها من السور ، وهو : إنه لحق أو إنه لمعجز مدلول عليه بقوله : (بَلْ عَجِبُوا) إلخ ، وبقوله : (أَفَعَيِينا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ) أي : أما اهتدينا إلى إبداع الحقائق وإيجاد الأشياء الأولية كالأرواح والسموات وأمثالها ، بل اعترفوا بذلك إنما هم في شبهة والتباس من خلق حادث يتجدد كل وقت ، لبس عليهم الشيطان حتى قالوا : (وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ) (١) ونسبوا التأثير إلى الزمان واحتجبوا عن معنى قوله : (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) (٢) ، ولو
__________________
(١) سورة الجاثية ، الآية : ٢٤.
(٢) سورة الرحمن ، الآية : ٢٩.