(وَالسَّماءَ) أي : سماء العقل (رَفَعَها) إلى محل شمس الروح وثمر القلب (وَوَضَعَ) أي : خفض ميزان العدل إلى أرض النفس والبدن. فإن العدالة هيئة نفسانية لولاها لما حصلت الفضيلة الإنسانية ومنه الاعتدال في البدن الذي لو لم يكن لما وجد ولم يبق ولما استقام أمر الدين والدنيا بالعدل ، واستتب كمال النفس والبدن بحيث لولاه لفسدا. أمر بمراعاته ومحافظته قبل تعديد الأصول بتمامها لشدة العناية به وفرط الاهتمام بأمره ، فوسط بينه وبين قوله : (وَالْأَرْضَ وَضَعَها لِلْأَنامِ (١٠)) (١).
[٨ ـ ٩] (أَلاَّ تَطْغَوْا فِي الْمِيزانِ (٨) وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزانَ (٩))
قوله : (أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزانِ) بالإفراط عن حدّ الفضيلة والاعتدال ، فيلزم الجور الموجب للفساد (وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ) بالاستقامة في الطريقة ، وملازمة حدّ الفضيلة ونقطة الاعتدال في جميع الأمور وكل القوى (وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزانَ) بالتفريط عن حد الفضيلة. قال بعض الحكماء : العدل ميزان الله تعالى ، وضعه للخلق ونصبه للحق.
[١٠ ـ ١٢] (وَالْأَرْضَ وَضَعَها لِلْأَنامِ (١٠) فِيها فاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذاتُ الْأَكْمامِ (١١) وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحانُ (١٢))
(وَالْأَرْضَ) أي : أرض البدن (وَضَعَها) لهذه المخلوقات المذكورة (فِيها فاكِهَةٌ) أي : ما تفيد اللذات الحسية من إدراكات الحواس والمحسوسات (وَالنَّخْلُ) أي : القوى المثمرة للذات الخيالية والوهمية الباسقة من أرض الجسد في هوى النفس (ذاتُ الْأَكْمامِ) أي : غلف اللواحق المادية (وَالْحَبُ) أي : القوة الغاذية التي منها لذة الذوق والأكل والشرب (ذُو الْعَصْفِ) أي : الشعب والأوراق الكثيرة المنبسطة على أرض البدن من الجاذبة والماسكة والهاضمة والدافعة والمغيرة والمصورة الملازمة للبدن ، المقتضية لخواصها وأفعالها وما تعدّها وتهيئها وتصلحها لحفظ القوة والإنماء مما يصير بدل ما يتحلل ويزيد في الأقطار (وَالرَّيْحانُ) أي : المولدة ، الموجبة لذّة الوقاع التي هي أطيب اللذات الجسمانية وأسلاف البذر بتوليد مادة النوع.
[١٣] (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (١٣))
(فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) من هذه النعم المعدودة أيها الظاهريون والباطنيون من الثقلين أبالنعم الظاهرة أم الباطنة.
[١٤ ـ ١٦] (خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخَّارِ (١٤) وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ (١٥) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (١٦))
__________________
(١) سورة الرحمن ، الآية : ١٠.