(خَلَقَ الْإِنْسانَ) أي : ظاهره وجسده الذي يؤنس ، أي : يبصر (مِنْ صَلْصالٍ) من أكثف جواهر العناصر المختلطة الذي تغلب عليه الأرضية واليبس (كَالْفَخَّارِ) الصلب الذي يناسب جوهر العظم الذي هو أساس البدن ودعامته (وَخَلَقَ الْجَانَ) أي : باطنه وروحه الحيواني الذي هو مستور عن الحسّ وهو أبو الجنّ ، أي : أصل القوى الحيوانية التي أقواها وأشرفها الوهم أي : الشيطان المسمّى إبليس الذي هو من ذريته (مِنْ مارِجٍ) من لهب لطيف صاف (مِنْ نارٍ) أي : من ألطف جواهر العناصر المختلطة الذي يغلب عليه الجوهر الناري والحرّ ، والمارج هو اللهب الذي فيه اضطراب ، وهذه الروح دائمة الاضطراب والتحرّك.
[١٧ ـ ١٨] (رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ (١٧) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (١٨))
(رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ) أي : مشرقي الظاهر والباطن ومغربيهما بإشراق نور الوجود المطلق على ماهيات الأجساد الظاهرة وغروبه فيها باحتجابه بماهياتها وتعينها به فله في ربوبيته لكل موجود شروق بإيجاده بنور الوجود وظهوره به وغروب باختفائه فيه وتستره به يربّه بهما.
[١٩ ـ ٢١] (مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ (١٩) بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ (٢٠) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٢١))
(مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ) بحر الهيولى الجسمانية الذي هو الملح الأجاج وبحر الروح المجرد الذي هو العذب الفرات (يَلْتَقِيانِ) في الوجود الإنساني (بَيْنَهُما بَرْزَخٌ) هو النفس الحيوانية التي ليست في صفاء الأرواح المجردة ولطافتها ولا في كدورة الأجساد الهيولانية وكثافتها (لا يَبْغِيانِ) لا يتجاوز حدّهما حدّه فيغلب على الآخر بخاصيته فلا الروح يجرّد البدن ويمزج به ويجعله من جنسه ولا البدن يجمد الروح ويجعله ماديا ، سبحان خالق الخلق القادر على ما يشاء.
[٢٢ ـ ٢٣] (يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ (٢٢) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٢٣))
(يَخْرُجُ مِنْهُمَا) بتركيبهما والتقائهما لؤلؤ العلوم الكلية ومرجان العلوم الجزئية ، أي : لؤلؤ الحقائق والمعارف ومرجان العلوم النافعة كالأخلاق والشرائع ٨
[٢٤ ـ ٢٨] (وَلَهُ الْجَوارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ (٢٤) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٢٥) كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ (٢٦) وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ (٢٧) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٢٨))
(وَلَهُ الْجَوارِ) أي : أوضاع الشريعة ومقامات الطريقة التي يركبها السالكون ، السائرون إلى الله في لجّة هذا البحر المريح ، فينجون ويعبرون إلى المقصد. وتشبيهها بالأعلام إشارة إلى شهرتها وكونها معروفة كما تسمى شعائر الله ومعالم الدين. (الْمُنْشَآتُ) أي : المرفوعات