(يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُواظٌ مِنْ نارٍ) أي : يمنعكما عن النفوذ من أقطارهما والترقي من أطوارهما لهب صاف عن ممازجة الدخان ، أي : سلطان الوهم وأحكامه ومدركاته بإرساله الوهميات إلى حيز العقل والقلب وممانعته إياهما عن الترقي دائما (وَنُحاسٌ) دخان ، أي : هيئة ظلمانية ترسلها النفس الحيوانية بالميل إلى الهوى والشهوات ، فالشواظ مانع من جهة العلم والنحاس من جهة العمل (فَلا تَنْتَصِرانِ) فلا تمتنعان عنهما وتغلبان عليهما فتنفذان إلا بتوفيق الله وسلطان التوحيد.
[٣٧ ـ ٣٨] (فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّماءُ فَكانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهانِ (٣٧) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٣٨))
(فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّماءُ) أي : السماء الدنيا وهي النفس الحيوانية ، وانشقاقها انفلاقها عن الروح عند زهوقه إذ الروح الإنساني نسبته إلى النفس الحيوانية كنسبته إلى البدن. فكما أن حياة البدن بالنفس فحياتها بالروح فتنشق عنه عند زهوقه بمفارقة البدن (فَكانَتْ وَرْدَةً) أي : حمراء لأن لونها متوسط بين لون الروح المجرّد وبين لون البدن ، ولون الروح أبيض لنوريته وإدراكه اللذات ولون البدن أسود لظلمته وعدم شعوره باللذات ، والمتوسط بين الأبيض والأسود هو الأحمر ، وإنما وصفها في سورة (البقرة) بالصفرة وهاهنا بالحمرة لأن هناك وقت الحياة والصفاء وغلبة النورية عليها وطراوة الاستعداد وهاهنا وقت الممات والتكدّر وغلبة الظلمة عليها وزوال الاستعداد (كَالدِّهانِ) كدهن الزيت في لونه ولطافته وذوبانه لصيرورتها إلى الفناء والزوال.
[٣٩ ـ ٤٠] (فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ (٣٩) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٤٠))
(فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ) من الظاهريين (وَلا جَانٌ) من الباطنيين لانجذاب كل إلى مقرّه ومركزه وموطنه الذي يقتضيه حاله وما هو الغالب عليه باستعداده الأصلي أو العارضي الراسخ الغالب. وأما الوقف والسؤال المشار إليه في قوله : (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ (٢٤)) (١) ونظائره ، ففي مواطن أخر من اليوم الطويل الذي كان مقداره خمسين ألف سنة وهو في حال عدم غلبة إحدى الجهتين واستيلاء أحد الأمرين. ففي زمان غلبة النور الأصلي وبقاء الاستعداد الفطري أو حصول الكمال والترقي في الصفات ، وفي وقت استيلاء الهيئات الظلمانية وترسخ الغواشي الجسمانية وزوال الاستعداد الأصلي بحصول الرين لا يسئلون ، وفي وقت عدم رسوخ تلك الهيئات إلى حدّ الرين وبقائها في القلب مانعة ، حاجزة إياها عن الرجوع إلى مقرّها ، يوقفون ويسئلون حتى يعذبوا بحسب سيئاتهم على قدر
__________________
(١) سورة الصافات ، الآية : ٢٤.