سورة الممتحنة
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)
[١ ـ ٤] (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِما جاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغاءَ مَرْضاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِما أَخْفَيْتُمْ وَما أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ (١) إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْداءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ (٢) لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحامُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٣) قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ كَفَرْنا بِكُمْ وَبَدا بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ الْعَداوَةُ وَالْبَغْضاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللهِ وَحْدَهُ إِلاَّ قَوْلَ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَما أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا وَإِلَيْكَ أَنَبْنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (٤))
عدوّ الله هو الذي خالف عهده وأعرض بقلبه عن جنابه ، فبالضرورة يكون مشركا بمحبة الغير وعدوّا لكل موحد ينفي الغير لكون كل منهما في عدوة حينئذ ولهذا قال : (عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ) وأشار إلى كون الموالاة بينهما عرضيا لا ذاتيا بقوله : (تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ) ثم بين امتناع كونه ذاتيا ببيان المنافاة الذاتية بينهما وعدم المناسبة والجنسية من جميع الوجوه بقوله : (وَقَدْ كَفَرُوا) إلى آخره ، ثم أشار إلى أن وقوعها لا يكون إلا عند الجنسية وحدوث الميل إلى الشرك ، فإن وقعت فلا بد منهما بقوله : (وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ) أي : طريق الوحدة. ثم أشار إلى أن العرضية لا يجوز أن يختارها أهل التحقيق لأن السبب الموجب لها أمور فانية لا يبقى نفعها إلا في الدنيا والعاقل يجب أن يختار الأمور الباقية دون الفانية بقوله : (لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحامُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ) أي : لا نفع لمن اخترتم موالاة العدوّ الحقيقي لأجله لأن القيامة الصغرى مفرّقة بينكم تفريقا أبديا لعدم الاتصال الحقيقي الباقي بعد الموت بينكم ، وهذا معنى قوله : (يَوْمَ الْقِيامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ) أي : يفصل الله بينكم وبين أرحامكم وأولادكم ، كما قال : (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (٣٤) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (٣٥) وَصاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (٣٦)) (١). ثم علّمهم طريق التوحيد بالتأسي بالموحد الحقيقي السابق إبراهيم النبي عليهالسلام وأصحابه (لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ) أي : لأطلبن لك الغفران بمحو صفاتك وسيئات أعمالك بالنور الإلهي (وَما أَمْلِكُ)
__________________
(١) سورة عبس ، الآيات : ٣٤ ـ ٣٦.