سورة القلم
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)
[١] (ن وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ (١) ن) هو النفس الكليّة (وَالْقَلَمِ) هو العقل الكلي والأول من باب الكناية بالاكتفاء من الكلمة بأول حروفها ، والثاني من باب التشبيه إذ تنتقش في النفس صور الموجودات بتأثير العقل كما تنتقش الصور في اللوح بالقلم (وَما يَسْطُرُونَ) من صور الأشياء وماهياتها وأحوالها المقدّرة على ما يقع عليها ، وفاعل ما يسطرون الكتبة من العقول المتوسطة والأرواح المقدّسة وإن كان الكاتب في الحقيقة هو الله تعالى ، لكن لما كان في حضرة الأسماء نسب إليها مجازا ، أقسم بهما وبما يصدر عنهما من مبادئ الوجود وصور التقدير الإلهي ومبدأ أمره ومخزن غيبه لشرفهما وكونهما مشتملين على كل الوجود في أول مرتبة التأثير والتأثر ومناسبتهما للمقسم عليه.
[٢] (ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ (٢))
(ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ) أي : ما أنت بمستور العقل مختلّ الإدراك في حالة كونك منعما عليك بنعمة الاطلاع على هذا المسطور بهما فإنه لا أعقل ممن اطلع على سرّ القدر وأحاط بحقائق الأشياء في نفس الأمر.
[٣] (وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ (٣))
(وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً) من أنوار المشاهدات والمكاشفات من هذين العالمين (غَيْرَ) مقطوع لكونه سرمديا غير مادي فلا يتناهى وهم مادّيون محجوبون عنه ، متضادّون إياك في الحال والوجهة ، فلهذا ينسبونك إلى الجنون لانحصار عقولهم وأفكارهم في المادّيات.
[٤] (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (٤))
(وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) لكونك متخلقا بأخلاق الله متأيدا بالتأييد القدسي فلا تتأثر بمفترياتهم ولا تتأذى بمؤذياتهم إذ بالله تصبر لا بنفسك كما قال : (وَما صَبْرُكَ إِلَّا بِاللهِ) (١).
[٥ ـ ٦] (فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ (٥) بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ (٦))
__________________
(١) سورة النحل ، الآية : ١٢٧.