سورة الإنسان
[١ ـ ٤] (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)
(هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً (١) إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً (٢) إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً (٣) إِنَّا أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ سَلاسِلَ وَأَغْلالاً وَسَعِيراً (٤))
(هَلْ أَتى) أي : قد أتى (عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ) فيه (شَيْئاً مَذْكُوراً) أي : على وجه التقرير والتقريب ، أي : كان شيئا في علم الله بل في نفس الأمر لقدم روحه ولكنه لم يذكر فيما بين الناس لكونه في عالم الغيب وعدم شعور من في عالم الشهادة به.
(إِنَّا هَدَيْناهُ) سبيل الحق بأدلة العقل والسمع في حالتي كونه شاكرا مهتديا مستعملا لنعم المشاعر والآلات والوسائط فيما ينبغي أن يستعمل من الطاعات متوصلا بها إلى المنعم (أَوْ كَفُوراً) محتجبا بالنعم عن المنعم مستعملا لها في غير ما يحب أن يستعمل من المعاصي (إِنَّا أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ) المحتجبين بالنعم (سَلاسِلَ) الميول والمحبات إلى المشتهيات الجسمانية الموجبة لتقيدهم بها والحرمان عن المقاصد الحقيقية في النيران وأغلال الصور والهيئات المانعة عن الحركة في طلب المراد وسعير التعذيب في قعر الطبيعة وقهر الحرمان.
[٥ ـ ٦] (إِنَّ الْأَبْرارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كانَ مِزاجُها كافُوراً (٥) عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللهِ يُفَجِّرُونَها تَفْجِيراً (٦))
(إِنَّ الْأَبْرارَ) أي : السعداء الذين برزوا عن حجاب الآثار والأفعال واحتجبوا بحجب الصفات غير واقفين معها بل متوجهين إلى عين الذات مع البقاء في عالم الصفات وهم المتوسطون في السلوك (يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ) محبة حسن الصفات لا صرفا بل كان في شرابهم مزج من لذة محبة الذات وهي العين الكافورية المفيدة للذة برد اليقين وبياض النورية وتفريح القلب المحترق بحرارة الشوق وتقويته ، فإن للكافور خاصية التبريد والتفريح والبياض.
والكافور عين (يَشْرَبُ بِها) صرفة (عِبادُ اللهِ) الذين هم خاصته من أهل الوحدة الذاتية المخصوص محبتهم بعين الذات دون الصفات ، لا يفرقون بين القهر واللطف والرفق والعنف والبلاء والشدة والرخاء بل تستقر محبتهم مع الأضداد وتستمر لذاتهم في النعماء والسراء والرحمة والزحمة كما قال أحدهم :