هواي له فرض تعطف أم جفا |
|
ومشربه عذب تكدّر أم صفا |
وكلت إلى المحبوب أمري كله |
|
فإن شاء أحياني وإن شاء أتلفا |
وأما الأبرار فلما كانوا يحبون المنعم واللطيف والرحيم لم تبق محبتهم عند تجلي القهار والمبلي والمنتقم بحالها ولا لذتهم بل يكرهون ذلك (يُفَجِّرُونَها تَفْجِيراً) لأنهم منابعها لا اثنينية ثمة ولا غيرية ، وإلا لم يكن كافور الظلمة حجاب الأنانية والاثنينية وسواده.
[٧] (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً (٧))
(يُوفُونَ بِالنَّذْرِ) أي : الأبرار يوفون العهد الذي كان بينهم وبين الله صبيحة يوم الأزل بأنهم إذا وجدوا التمكن بالآلات والأسباب أبرزوا ما في مكامن استعداداتهم وغيوب فطرتهم من الحقائق والمعارف والعلوم والفضائل وأخرجوها إلى الفعل بالتزكية والتصفية (وَيَخافُونَ) يوم تجلي صفة القهر والسخط والانتقام لكونهم وصفيين (يَوْماً كانَ شَرُّهُ) فاشيا منتشرا بالغا أقصى المبالغ باستيلاء الهيئات المظلمة والحجب الساترة للنور من صفات النفس على القلب وهو نهاية مبالغ الشرّ.
[٨] (وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً (٨))
(وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ) أي : يتجرّدون عن المنافع المالية ويزكون أنفسهم عن الرذائل خصوصا عن الشحّ لكون محبة المال أكثف الحجب فيتصفون بفضيلة الإثار ويطعمون الطعام في حالة احتياجهم إليه لسدّ خلّة جوع من يستحقه ، ويؤثرون به غيرهم على أنفسهم كما هو المشهور من قصة علي وأهل بيته عليهم الصلاة والسلام في شأن نزول الآية من الإيثار بالفطور على المستحقين الثلاثة والصبر على الجوع والصوم ثلاثة أيام أو يزكون أنفسهم عن رذيلة الجهل فيطعمون الطعام الروحاني من الحكم والشرائع مع كونه محبوبا في نفسه على حبّ الله المسكين الدائم السكون إلى تراب البدن واليتيم المنقطع عن تربية أبيه الحقيقي الذي هو روح القدس والأسير المحبوس في أسر الطبيعة وقيود صفات النفس.
[٩] (إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَلا شُكُوراً (٩))
(إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ) أي : قائلين في أنفسهم ذلك ، ناوين بالإطعام رضا الله ، فأن الأبرار يقصدون الخيرات مراضي الله لا الثواب لكونهم بارزين عن حجاب الأفعال إلى الصفات أو لذات الله ومحبتها إذ الوجه عبارة عن الذات مع الصفات لكونهم سالكين سائرين في بيداء الصفات إلى مقصد الذات ، غير واقفين معها (لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً) مكافأة (وَلا شُكُوراً) وثناء لعدم احتجابنا بالأغراض والأعواض.