الشيطانية والحيل النفسانية فردّ عن جناب القدس مطرودا وازداد حجابه فتظاهر بقوله : (أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى) أو نازع الحق لشدة ظهور أنائيته رداء الكبرياء فقهر وقذف في النار ملعونا كماقال تعالى : «العظمة إزاري والكبرياء ردائي فمن نازعني واحدا منهما قذفته في النار». ويروى : قصمته ، وذلك القهر هو معنى قوله : (فَأَخَذَهُ اللهُ نَكالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولى * إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشى) فيخشع وتلين نفسه وتنكسر فلا تظهر.
[٣٤] (فَإِذا جاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرى (٣٤))
(فَإِذا جاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرى) أي : تجلى نور الوحدة الذاتية الذي يطمّ على كل شيء فيطمسه ويمحوه.
[٣٥] (يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ ما سَعى (٣٥))
(يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ) سعيه في الأطوار من مبدأ فطرته إلى فنائه وسلوكه في المقامات والدرجات حتى وصل إلى ما وصل فيشكره.
[٣٦] (وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرى (٣٦))
(وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ) أي : نار الطبيعة الآثارية (لِمَنْ يَرى) ممن بصر بنور الله وبرز من الحجاب لله دون العمي المحجوبين الذين يحترقون بناره ولا يرونه ، فيومئذ يصير الناس في شهوده قسمين.
[٣٧ ـ ٣٩] (فَأَمَّا مَنْ طَغى (٣٧) وَآثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا (٣٨) فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوى (٣٩))
(فَأَمَّا مَنْ طَغى) أي : تعدّى طور الفطرة الإنسانية وجاوز حدّ العدالة والشريعة إلى الرتبة البهيمية أو السبعية وأفرط في تعدّيه (وَآثَرَ الْحَياةَ) الحسيّة على الحقيقية بمحبة اللذات السفلية (فَإِنَّ الْجَحِيمَ) مأواه ومرجعه.
[٤٠ ـ ٤٤] (وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى (٤٠) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى (٤١) يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها (٤٢) فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْراها (٤٣) إِلى رَبِّكَ مُنْتَهاها (٤٤))
(وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ) بالترقي إلى مقام القلب ومشاهدة قيوميته تعالى على نفسه (وَنَهَى النَّفْسَ) لخوف عقابه أو قهره (عَنِ) هواها (فَإِنَّ الْجَنَّةَ) مأواه على حسب درجاته (إِلى رَبِّكَ مُنْتَهاها) أي : في أي شيء أنت من علمها ، وذكرها إنما إلى ربك ينتهي علمها فإن من عرف القيامة هو الذي انمحى علمه أولا بعلمه تعالى ثم فنيت ذاته في ذاته فكيف يعلمها ولا علم له ولا ذات ، فمن أين أنت وغيرك من علمها بل لا يعلمها إلا الله وحده.