اعتبار فلا ينقص مما عملت نفس شيئا (وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ) ومن هذا يعلم ما قيل : إن الله تعالى يحاسب الخلائق في أسرع من فواق شاة.
[٤٨ ـ ٤٩] (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى وَهارُونَ الْفُرْقانَ وَضِياءً وَذِكْراً لِلْمُتَّقِينَ (٤٨) الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ (٤٩))
(آتَيْنا مُوسى) القلب (وَهارُونَ) العقل أو على ظاهرهما (الْفُرْقانَ) أي : العلم التفصيلي الكشفي المسمّى بالعقل الفرقاني (وَضِياءً) أي : نورا تاما من المشاهدات الروحانية (وَذِكْراً) أي : تذكيرا وموعظة (لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ) تزكت نفوسهم من الرذائل والصفات الحاجبة فأشرقت أنوار طيبات العظمة من قلوبهم على نفوسهم لصفائها وزكائها فأورثت الخشية في حال الغيبة قبل الوصول إلى مقام الحضور القلبي (وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ) أي : القيامة الكبرى على إشفاق وتوقع لوقوعها لقوة يقينهم إذ الإشفاق إنما يكون عند التوقع لشيء مترقب الوقوع. أي : آتيناهما في مقام القلب ، العلم الذي به يفرق بين الحق والباطل من الحقائق والمعارف الكلية وفي مقام الروح ومرتبته النور المشاهد الباهر على كل نور ، وفي مقام النفس ورتبة الصدر التذكير بالمواعظ والنصائح والشرائع من العلوم الجزئية النافعة للمستعدّين القابلين السالكين.
[٥٠] (وَهذا ذِكْرٌ مُبارَكٌ أَنْزَلْناهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (٥٠))
(وَهذا ذِكْرٌ) غزير الخير والبركة ، شامل للأمور الثلاثة ، زائد عليها بالكشف الذاتي والشهود الحق في مقام الهوية وعين جمع الأحدية جامع لجوامع الكلم ، حاف بجميع المشاهدات والحكم إذ في البركة معنى النماء والزيادة.
[٥١] (وَلَقَدْ آتَيْنا إِبْراهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عالِمِينَ (٥١))
(وَلَقَدْ آتَيْنا إِبْراهِيمَ) الروح (رُشْدَهُ) المخصوص به الذي يليق بمثله وهو الاهتداء إلى التوحيد الذاتي ومقام المشاهدة والخلة (مِنْ قَبْلُ) أي : قبل مرتبة القلب والعقل متقدّما عليهما في الشرف والعزّ (وَكُنَّا بِهِ عالِمِينَ) أي : لا يعلم بكماله وفضيلته غيرنا لعلوّ شأنه.
[٥٢ ـ ٥٨] (إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ما هذِهِ التَّماثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَها عاكِفُونَ (٥٢) قالُوا وَجَدْنا آباءَنا لَها عابِدِينَ (٥٣) قالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٥٤) قالُوا أَجِئْتَنا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللاَّعِبِينَ (٥٥) قالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلى ذلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (٥٦) وَتَاللهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ (٥٧) فَجَعَلَهُمْ جُذاذاً إِلاَّ كَبِيراً لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ (٥٨))