بقوّة الظهر كالهباء ، متعجبين منه ، معظمين له ، مستعظمين لأمره (إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ) الناقصين حقوق المعبودات المجرّدة وجميع الموجودات من الوجودات والكمالات بنفيها عنهم وإثباتها للحق ، أو الناقصين حق نفسهم بإفنائها وقهرها (قالُوا سَمِعْنا فَتًى) كاملا في الفتوّة والشجاعة على قهر ما سوى الله من الأغيار والسخاوة ببذل النفس والمال (يَذْكُرُهُمْ) بنفي القدرة والكمال عنهم ونسبة العدم والفناء إليهم (فَأْتُوا بِهِ) أي : استحضروه وأحضروه معاينا لجميع النفوس (لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ) كماله وفضيلته فيستفيدون منه.
[٦٢ ـ ٦٣] (قالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هذا بِآلِهَتِنا يا إِبْراهِيمُ (٦٢) قالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ (٦٣))
(أَأَنْتَ فَعَلْتَ هذا) صورة إنكار لما لم يعرفوا من كماله إذ كل ما يمكن للنفوس معرفته فهو دون كمال العقول التي هي معشوقاتها وهي محجوبة عن كماله الإلهي الذي هو به أشرف منها (قالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ) أي : ما فعلته بأنانيتي التي أنا بها أحسن منها ، بل بحقيقتي وهويتي التي هي أشرف وأكبر منها (فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ) بالاستقلال ، أي : لا نطق لهم ولا علم ولا وجود بأنفسهم بل بالله الذي لا إله إلا هو.
[٦٤ ـ ٦٥] (فَرَجَعُوا إِلى أَنْفُسِهِمْ فَقالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ (٦٤) ثُمَّ نُكِسُوا عَلى رُؤُسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ ما هؤُلاءِ يَنْطِقُونَ (٦٥))
(فَرَجَعُوا إِلى أَنْفُسِهِمْ) بالإقرار والإذعان معترفين بأن الممكن لا وجود له بنفسه فكيف كماله (فَقالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ) بنسبة الوجود والكمال إلى الغير لا هو (ثُمَّ نُكِسُوا عَلى رُؤُسِهِمْ) حياء من كماله ونقصهم وخضوعا وانفعالا منه (لَقَدْ عَلِمْتَ) بالعلم اللدني الحقاني فناءهم فنفيت النطق عنهم ، وأما نحن فلا نعلم إلا ما علمنا الله فاعترفوا بنقصهم كما اعترفوا به عند معرفتهم لآدم بعد الإنكار ، فقالوا : (لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا) (١).
[٦٦ ـ ٦٨] (قالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَنْفَعُكُمْ شَيْئاً وَلا يَضُرُّكُمْ (٦٦) أُفٍّ لَكُمْ وَلِما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ (٦٧) قالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ (٦٨))
(أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) وتعظمون غيره مما لا ينفع ولا يضر ، إذ هو النافع الضارّ لا غير (أُفٍّ لَكُمْ) أتضجر بوجودكم ووجود معبوداتكم ووجود كل ما سواه تعالى (أَفَلا تَعْقِلُونَ) أن لا مؤثر ولا معبود إلا الله (حَرِّقُوهُ) أي : اتركوه يحترق بنار العشق التي أنتم
__________________
(١) سورة البقرة ، الآية : ٣٢.