سورة العلق
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)
[١ ـ ٨] (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (١) خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ (٢) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (٣) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (٤) عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ (٥) كَلاَّ إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى (٦) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى (٧) إِنَّ إِلى رَبِّكَ الرُّجْعى (٨))
(اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ) نزلت في أول رتبة ردّه عليهالسلام عن الجمع إلى التفصيل ولهذا قيل : هي أول سورة نزلت من القرآن ، ومعنى الباء في باسم : الاستعانة كما في قوله : كتبت بالقلم ، لأنه إذا رجع إلى الخلق عن الحق كان موجودا بالوجود الحقاني بعد الفناء عن وجوده موصوفا بصفاته ، فكان اسما من أسمائه لأن الاسم هو الذات مع الصفة ، أي : اقرأ بالوجود الذاتي الذي هو اسمه الأعظم فهو الآمر باعتبار الجمع والمأمور باعتبار التفصيل ولهذا وصف الربّ ب (الَّذِي خَلَقَ) أي : احتجب بصورة الخلق ، يعني ظهرت بصورتك فقم بي في صورة الخلق وارجع عن الحقية إلى الخلقية وكن خلقا بالحق. ولما ردّه إلى الخلقية في صورة الجمعية الإنسانية وأمره بالاحتجاب بها لتمكن الوحي والتنزيل والنبوّة خصّ الخلق بعد تعميمه بالإنسان فقال : (خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ) باسم (رَبُّكَ الْأَكْرَمُ) أي : البالغ إلى النهاية في الكرم الذي لا يمكن فوق غايته كرم لجوده بذاته وصفاته وهب لك ذاته وصفاته فهو أكرم من أن يدعك فانيا في عين الجمع فلا يعوّض وجودك بنفسك شيئا ولو أبقاك على حال الفناء لم يظهر له صفة فضلا عن الكرم ، ومن قضية أكرميته أنه الذي آثرك بأشرف صفاته الذي هو العلم وما ادّخر عنك شيئا من كمالاته ، فلهذا وصف الأكرم ب (الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ) أي : القلم الأعلى الذي هو الروح الأول الأعظم أي : علم بسببه وواسطته ثم لما كان في أول حال البقاء ولم يصل إلى التمكين أراد أن يمكنه ويحفظه عن التلوين بظهور أنائيته وانتحال صفة الله فقال : (عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ) أي : لم يكن له علم فعلمه بعلمه ووهب له صفة عالميته لئلا يرى ذاته موصوفة بصفة الكمال فيطغى بظهور الأنانية ولهذا ردعه عن مقام الطغيان بقوله : (كَلَّا إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى) أي : بسبب رؤيته نفسه مستغنيا بكماله (إِنَّ إِلى رَبِّكَ الرُّجْعى) بالفناء الذاتي فلا ذات لك ولا صفة فارتدع عليهالسلام متأدّبا بأدب حاله وقال : لست بقارئ ، أي ما أنا بقارئ إنما القارئ أنت.