سورة البينة
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)
[١] (لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ (١))
(لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا) أي : حجبوا إما عن الدين وطريق الوصول إلى الحق كأهل الكتاب وإما عن الحق أيضا كالمشركين (مُنْفَكِّينَ) عما هم فيه من الضلالة (حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ) أي : الحجة الواضحة الموصلة إلى المطلوب وذلك أن الفرق المختلفة المحتجبة بأهوائهم وضلالاتهم من اليهود والنصارى والمشركين كانوا يتخاصمون ويتعاندون ويدعي كل حزب حقية ما عليه ويدعو صاحبه إليه وينسب دينه إلى الباطل ، ثم يتفقون على أنّا لا ننفك عما نحن فيه حتى يخرج النبي الموعود في الكتابين المأمور باتباعه فيهما فنتبعه ونتفق على الحق على كلمة واحدة كما عليه الآن بعينه حال هؤلاء المتعصبين من أهل المذاهب المتفرّقة وانتظارهم خروج المهدي في آخر الزمان ووعدهم على اتباعه متفقين على كلمة واحدة ولا أحسب حالهم إلا مثل حال أولئك إذا خرج ، أعاذنا الله من ذلك ، فحكى الله قولهم وبين أنهم ما تفرّقوا تفرّقا قويا وما اشتدّ اختلافهم وتعاندهم إلا من بعد ما جاءتهم البينة بخروجه لأن كل فرقة ، بل كل شخص ، توهم أنه يوافق هواه ويصوّب رأيه لاحتجابه بدينه ، فلما ظهر خلاف ذلك ازداد كفره وعناده واشتدّت شكيمته وضغينته.
[٢ ـ ٤] (رَسُولٌ مِنَ اللهِ يَتْلُوا صُحُفاً مُطَهَّرَةً (٢) فِيها كُتُبٌ قَيِّمَةٌ (٣) وَما تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ (٤))
(رَسُولٌ) بدل من البينة أي : الحجة القائمة الواضحة رسول (مِنَ اللهِ يَتْلُوا صُحُفاً) من ألواح العقول والنفوس السماوية لاتصاله بها بتجرده (مُطَهَّرَةً) من دنس الطبائع وكدر العناصر ودنس المواد وتحريف العباد (فِيها كُتُبٌ قَيِّمَةٌ) أي : مكتوبات ثابتة أبدية مستقيمة ناطقة بالحق والعدل لا تتغير ولا تتبدّل أبدا هي أصول الدين القيم.
[٥ ـ ٨] (وَما أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكاةَ وَذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ (٥) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نارِ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أُولئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ (٦) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (٧) جَزاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ (٨))