أول مراتب صفوف الأرواح مفيضا على أطوار الملكوت كمالاتهم ، جابرا لنقصهم ، كاسرا لأصنام أعيان الموجودات وآلهة الذوات الممكنات من المادية والمجرّدات بنور التوحيد طاويا لمراتب الكمالات ، ذاويا للواقفين مع الصفات والمحجوبين بالغير عن الذات ، فوضعه نمروذ النفس الطاغية ، العاصية ، وقواها التي هي قومه ، في منجنيق الذكر والقوّة في نار حرارة طبيعة الرحم ، فجعلها الله عليه بردا وسلاما ، أي : روحا وبراءة من الآفات ، أي : وضعوا درّة وجوده التي هي مظهر روحه ونجيناه إلى أرض البدن التي باركنا فيها للعالمين بهدايته إياهم وتكميله وتربيته لهم فيها بالعلوم والأعمال التي هي أرزاقهم الحقيقية وأوصافهم الكمالية.
[٧٤ ـ ٧٦] (وَلُوطاً آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ تَعْمَلُ الْخَبائِثَ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فاسِقِينَ (٧٤) وَأَدْخَلْناهُ فِي رَحْمَتِنا إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (٧٥) وَنُوحاً إِذْ نادى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنا لَهُ فَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (٧٦))
واذكر لوط القلب (آتَيْناهُ) حكمة (وَعِلْماً وَنَجَّيْناهُ مِنَ) أهل قرية البدن (الَّتِي كانَتْ تَعْمَلُ) خبائث الشهوات الفاسدة (فاسِقِينَ) بإتيانهم الأمور لا من جهتنا المأمور بها ومباشرتهم الأعمال لا على ما ينبغي من وجه الشرع والعقل (وَأَدْخَلْناهُ فِي رَحْمَتِنا) الرحيمية ومقام تجلي الصفات (إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ) العاملين بالعلم الثابتين على الاستقامة. ونوح العقل (إِذْ نادى) من جهة قدم القلب ، واستدعى الله الكمال اللاحق (فَاسْتَجَبْنا لَهُ) بإفاضة كماله على مقتضى استعداده وإبرازه إلى الفعل (فَنَجَّيْناهُ) فنجينا القوى القدسية والفكرية والحمدية وسائر القوى العقلية (مِنَ الْكَرْبِ) الذي هو كون كمالاتها بالقوة ، إذ كل ما هو كامن في الشيء بالقوة كرب له ، يطلب التنفيس بالظهور والبروز إلى الفعل وكلما كان الاستعداد أقوى والكمال الممكن له ، الكامن فيه ، أتمّ ، كان الكرب أعظم.
[٧٧] (وَنَصَرْناهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِينَ (٧٧))
(وَنَصَرْناهُ مِنَ الْقَوْمِ) أي : القوى النفسانية والبدنية المكذبين بآيات المعقولات والمحرّمات (إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ) يمنعونه من الكمال والتجريد ويحجبونه عن الأنوار بالتكذيب (فَأَغْرَقْناهُمْ) في يمّ القطران الهيولاني والبحر العميق الجسماني (أَجْمَعِينَ).
[٧٨ ـ ٧٩] (وَداوُدَ وَسُلَيْمانَ إِذْ يَحْكُمانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شاهِدِينَ (٧٨) فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ وَكُلاًّ آتَيْنا حُكْماً وَعِلْماً وَسَخَّرْنا مَعَ داوُدَ الْجِبالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فاعِلِينَ (٧٩))
(وَداوُدَ) العقل النظري الذي هو في مقام السرّ (وَسُلَيْمانَ) العقل العلمي الذي هو في