قائمة الکتاب
سورة الأنبياء
٣٨
إعدادات
تفسير ابن عربي [ ج ٢ ]
تفسير ابن عربي [ ج ٢ ]
المؤلف :محي الدين بن علي بن أحمد بن عبدالله الطائي الحاتمي [ ابن العربي ]
الموضوع :القرآن وعلومه
الناشر :دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الصفحات :478
تحمیل
مقام الصدر (إِذْ يَحْكُمانِ فِي الْحَرْثِ) أي : فيما في أرض الاستعداد من الكمالات المودعة فيه ، المخزونة في الأزل ، والمغروزة في الفطرة الناشئة عند التوجه إلى الظهور والبروز (يَحْكُمانِ) فيه بالعلم والعمل والفكر والرياضة في تثميرها وإيناعها وإدراكها.
(إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ) انتشرت فيه بالإفساد في ظلمة ليل غلبة الطبيعة البدنية والصفات النفسانية (غَنَمُ الْقَوْمِ) أي : القوى البهيمية الشهوانية (وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ) على مقتضى أحوالهم حاضرين ، إذ كان الحكم بأمرنا وعلى أعيننا ، ومقتضى إرادتنا ، فحكم داود السرّ على مقتضى الذوق بتسليم غنم القوى الحيوانية البهيمية إلى أصحاب الحرث من القوى الروحانية بالملكية ليذبحوها ويميتوها بالاستيلاء والقهر والغلبة ، ويغتذوا بها. وحكم سليمان العقل العلمي على مقتضى العلم بتسليط القوى الروحانية عليها لينتفعوا بألبانها من العلوم النافعة والإدراكات الجزئية والأخلاق والملكات الفاضلة ويروضوها بالتهذيب والتأديب وإقامة أصحاب الغنم من النفس وقواها الحيوانية كالغضبية والمتحرّكة والمتخيلة والوهمية وأمثالها بعمارة الحرث وإصلاح ما في أرض الاستعداد بالطاعات والعبادات والرياضات من باب الشرائع والأخلاق والآداب وسائر الأعمال الصالحات حتى يعود الحرث ناضرا بالغا إلى حدّ الكمال ، لتردّ الغنم إلى أصحابها عند حصول الكمال ، فتصير محفوظة مرعية مسوسة مهذبة في الأعمال البهيمية بفضيلة العفّة ، ويردّ الحرث إلى أربابه من الروح وقواه يانعا مثمرا بالعلوم والحكم ، متزيّنا بأزهار المعارف والحقائق وأنوار التجليات والمشاهدات ، ولهذا قال : (فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ) فإنّ العمل بالتقوى والرياضة على وفق الشرع والحكمة العملية أبلغ في تحصيل الكمال وإبرازه إلى الفعل من العلم الكلي والفكر والنظر والذوق والكشف (وَكُلًّا آتَيْنا حُكْماً وَعِلْماً) إذ كل منهما على الصواب في رأيه والحكمة النظرية والعملية والمكاشفة والمعاملة كلتاهما متعاضدتان في طلب الكمال ، متوافقتان في تحصيل كرم الخصال بهما.
(وَسَخَّرْنا مَعَ داوُدَ) الفؤاد ، جبال الأعضاء (يُسَبِّحْنَ) بألسنة خواصها التي أمرن بها ويسرن معه بسيرتها المخصوصة بها فلا تعصي ولا تمتنع عليه ، فتكلّ وتثقل وتأبى أمره ، بل تسير معه مأمورة بأمره ، منقادة مطواعة لتأدبها وارتياضها وتعوّدها بأمره ، وتمرّنها في الطاعات والعبادات ، وطير القوى الروحانية يسبحنّ بالأذكار والأفكار والطيران في فضاء أرواح الأنوار (وَكُنَّا) قادرين على ذلك التسخير.
[٨٠] (وَعَلَّمْناهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شاكِرُونَ (٨٠))
(وَعَلَّمْناهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ) من الورع والتقوى ونعم الدرع الحصين الورع (لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ) بأس القوى الغضبية السبعية واستيلاء الحرص والدواعي الطبيعية والقوى الوهمية الشيطانية (فَهَلْ أَنْتُمْ شاكِرُونَ) حق هذه النعمة بالتوجه إلى الحضرة الربانية بالكلية.