سورة الناس
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)
[١ ـ ٣] (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (١) مَلِكِ النَّاسِ (٢) إِلهِ النَّاسِ (٣))
(قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) ربّ الناس هو الذات مع جميع الصفات لأن الإنسان هو الكون الجامع الحاصر لجميع مراتب الوجود فربّه الذي أوجده وأفاض عليه كماله هو الذات باعتبار جميع الأسماء بحسب البداية المعبر عنه بالله ، ولهذا قال تعالى : (ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَ) (١) بالمتقابلين من الصفات كاللطف والقهر والجمال والجلال الشاملين لجميعها تعوّذ بوجهه بعد ما تعوّذ بصفاته ولهذا تأخرت هذه السورة عن المعوّذة الأولى إذ فيها تعوّذ في مقام الصفات باسمه الهادي فهداه إلى ذاته.
ثم بيّن ربّ الناس بملك الناس على أنه عطف بيان لأن الملك هو الذي يملك رقابهم وأمورهم باعتبار حال فنائهم فيه من قوله : (لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ) (٢) فالملك بالحقيقة هو الواحد القهار الذي قهر كل شيء بظهوره ثم عطف عليه (إِلهِ النَّاسِ) لبيان حال بقائهم بعد الفناء لأن الإله هو المعبود المطلق وذلك هو الذات مع جميع الصفات باعتبار النهاية. استعاذ بجنابه المطلق ففنى فيه فظهر كونه ملكا ثم ردّه إلى الوجود لمقام العبودية فكان معبودا دائما فتم استعاذته به.
[٤ ـ ٥] (مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ الْخَنَّاسِ (٤) الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (٥))
(مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ) لأن الوسوسة تقتضي محلا وجوديا كما قال : (الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ) ولا وجود في حال الفناء فلا صدور ولا وسواس ولا موسوس بل إن ظهر هناك تلوين بوجود الأنانية فقل : أعوذ بك منك ، فلما صار معبودا بوجود العابد ظهر الشيطان بظهور العابد كما كان أولا موجودا بوجوده. والوسواس اسم للوسوسة سمي به الموسوس لدوام وسوسته كأن نفسه وسواس ، وإنما استعاذ منه بالإله دون بعض أسمائه كما في السورة الأولى لأن الشيطان هو الذي يقابل الرحمن ويستولي على الصورة الجمعية الإنسانية ويظهر في صور جميع الأسماء ويتمثل بها إلا بالله ، فلم تكف الاستعاذة منه بالهادي والعليم والقدير
__________________
(١) سورة ص ، الآية : ٧٥.
(٢) سورة غافر ، الآية : ١٦.