القوى العقلية الروحانية وبادي القوى النفسانية لإمكان وصولها إليه وطوافها فيه عند ترقي القلب إلى مقام السرّ.
(وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ) من الواصلين إليه مرادا (بِإِلْحادٍ) ميل إلى الطبيعة والهوى (بِظُلْمٍ) وضع شيء من العلوم والعبادات القلبية مكان النفسية كاستعمالها للأغراض الدنيوية وإظهارها لتحصيل اللّذات البدنية من طلب السمعة والمال والجاه أو بالعكس ، كمباشرة الشهوات الحسيّة واللذات النفسية بتوهم كونها مصالح الدارين أو تغير عن وجهها كالرياء والنفاق ، أو ملحدا ظالما (مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ) في جحيم الطبيعة.
[٢٦] (وَإِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (٢٦))
(وَإِذْ بَوَّأْنا) أي : جعلنا (لِإِبْراهِيمَ) الروح مكان بيت القلب وهو المصدر مباءة يرجع إليها في الأعمال والأخلاق. وقيل : أعلم الله إبراهيم مكانه بعد ما رفع إلى السماء أيام الطوفان بريح أرسلها ، فكشف ما حولها ، فبناه على أسّه القديم ، أي : هداه إلى مكانه بعد رفعه إلى السماء. وأيام طوفان الجهل وأمواج غلبات الطبع برياح نفحات الرحمة فكشفت ما حوله من الهيئات النفسانية والألواث الطبيعية والغبارات الهيولانية فبناه على أسّه القديم من الفطرة الإنسانية (أَنْ لا تُشْرِكْ) أي : جعلناه مرجعا في بناء البيت بأحجار الأعمال وطين الحكم وجصّ الأخلاق ، وقلنا : لا تشرك ، أي : أمرناه بالتوحيد ثم بتطهير بيت القلب عن الألواث المذكورة (لِلطَّائِفِينَ) من القوى النفسانية التي تطوف حوله للتنوّر واكتساب الفضائل الخلقية (وَالْقائِمِينَ) من القوى الروحانية التي تقوم عليه بإلقاء المعارف والمعاني الحكمية (وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) من القوى البدنية التي تستفيد منه صور العبادات والآداب الشرعية والعقلية ، أو لهداية الطالبين من المستبصرين المتعلمين ، والمجاهدين السالكين ، والمتعبدين الخاضعين.
[٢٧ ـ ٢٨] (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالاً وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (٢٧) لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُوماتٍ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْبائِسَ الْفَقِيرَ (٢٨))
(وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ) بالدعوة إلى مقام القلب وزيارته (يَأْتُوكَ رِجالاً) مجرّدين عن صفات النفوس (وَعَلى كُلِ) نفس ضامرة بطول الرياضة والمجاهدة (يَأْتِينَ مِنْ كُلِ) طريق بعيد العمق في قعر الطبيعة (لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ) من الفوائد العلمية والعملية المستفادة من مقام القلب (وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ) بالاتّصاف بصفاته (فِي أَيَّامٍ مَعْلُوماتٍ) من أنوار التجليات والمكاشفات (عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ) أنعام النفوس المذبوحة تقرّبا إلى الله تعالى بحراب