المخالفات وسكاكين المجاهدات (فَكُلُوا) استفيدوا من لحوم أخلاقها وملكاتها المعينة المقوّية في السلوك (وَأَطْعِمُوا) أي : أفيدوا (الْبائِسَ) الطالب القوي النفس ، الذي أصابه شدّة من غلبة صفاتها واستيلاء هيئاتها للتهذيب والتأديب ، والفقير الضعيف النفس ، القديم العلم ، الذي أضعفه عدم التعليم والتربية المحتاج إليها.
[٢٩] (ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ (٢٩))
(ثُمَّ لْيَقْضُوا) وسخ الفضول وفضلات ألواث الهيئات كقصّ شارب الحرص ، وقلم أظفار الغضب والحقد. وفي الجملة : بقايا تلوينات النفس (وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ) بالقيام بإبراز ما قبلوه في العهد الأول من المعاني والكمالات المودعة فيهم إلى الفعل ، فقضاء التفث التزكية وإزالة الموانع والإيفاء بالنذور والتحلية وتحصيل المعارف (وَلْيَطَّوَّفُوا) بالانخراط في سلك الملكوت الأعلى حول عرش الله المجيد البيت القديم.
[٣٠] (ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُماتِ اللهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعامُ إِلاَّ ما يُتْلى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (٣٠))
(ذلِكَ) أي : الأمر ذلك (وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُماتِ اللهِ) وهي ما لا يحل هتكه وتطهيره والقربان بالنفس وجميع ما ذكر من المناسك كالتحلي بالفضائل ، واجتناب الرذائل ، والتعرّض للأنوار في التجليات ، والاتصاف بالصفات ، والترقي في المقامات (فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ) في حضرة ربّه ومقعد قربه (وَأُحِلَّتْ لَكُمُ) أنعام النفوس السليمة بالانتفاع بأخلاقها وأعمالها في الطريقة والتمتع بالحقوق دون الحظوظ (إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ) في صورة المائدة من الرذائل المشتبهة بالفضائل وهي التي صدرت من النفس لا على وجهها ولا على ما ينبغي من أمرها بالرذائل المحضة ، فإنها محرّمة في سبيل الله على السالكين (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ) أوثان الشهوات المتعبدة ، والأهواء المتبعة ، كقوله تعالى : (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ) (١). (وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ) من العلوم المزخرفة والشبهات المموهة من التخيلات والموهومات ، المستعملة في الجدل والخلاف والمغالطة.
[٣١ ـ ٣٢] (حُنَفاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَكَأَنَّما خَرَّ مِنَ السَّماءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكانٍ سَحِيقٍ (٣١) ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللهِ فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ (٣٢))
(حُنَفاءَ لِلَّهِ) مائلين عن الطرق الفاسدة ، والعلوم الباطلة ، معرضين عن كل ما يغيره من
__________________
(١) سورة الجاثية ، الآية : ٢٣.