ولهذا قال عليهالسلام : «علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل» ، وهم الأولياء العارفون ، المتمكنون. والرسول هو الذي يكون له مع ذلك كله وضع شريعة وتقنين ، فالنبيّ متوسط بين الوليّ والرسول.
[٥٢ ـ ٥٣] (لِيَجْعَلَ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ (٥٣))
(إِذا تَمَنَّى) ظهرت نفسه بالتمني في مقام التلوين (أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي) وعاء (أُمْنِيَّتِهِ) ما يناسبها لأن ظهور النفس يحدث ظلمة وسوادا في القلب يحتجب بها الشيطان ويتخذها محل وسوسته وقالب إلقائه بالتناسب (فَيَنْسَخُ اللهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ) بإشراق نور الروح على القلب بالتأييد القدسيّ وإزالة ظلمة ظهور النفس وقمعها ليظهر فساد ما يلقيه ويتميز منه الإلقاء الملكي فيضمحل ويستقرّ الملكي (ثُمَّ يُحْكِمُ اللهُ آياتِهِ) بالتمكين (وَاللهُ عَلِيمٌ) يعلم الإلقاءات الشيطانية وطريق نسخها من بين وحيه (حَكِيمٌ) يحكم آياته بحكمته ، ومن مقتضيات حكمته أنه يجعل الإلقاء الشيطاني فتنة للشاكين المنافقين المحجوبين القاسية قلوبهم عن قبول الحق وابتلاء لهم لازدياد شكّهم وحجابهم به ، فإنهم بمناسبة نفوسهم الظلمانية وقلوبهم المسودّة القاسية لا يقبلون إلا ما يلقي الشيطان ، كما قال تعالى : (هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ (٢٢١) تَنَزَّلُ عَلى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (٢٢٢)) (١). وإنهم لفي خلاف بعيد عن الحق فكيف يقبلونه.
[٥٤] (وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللهَ لَهادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٥٤))
(وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) من أهل اليقين والمحققين : أن تمكّن الشيطان من الإلقاء هو الحكمة والحق من ربّك على قضية العدل والمناسبة (فَيُؤْمِنُوا بِهِ) بأن يروا الكل من الله فتطمئن (لَهُ قُلُوبُهُمْ) بنور السكينة والاستقامة الموجبة لتمييز الإلقاء الشيطاني من الرحمة (وَإِنَّ اللهَ) لهاديهم إلى طريق الحق والاستقامة فلا تزلّ أقدامهم بقبول ما يلقي الشيطان ، ولا تقبل قلوبهم إلا ما يلقي الرحمن لصفائها وشدّة نوريتها وضيائها.
[٥٥] (وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ (٥٥))
__________________
(١) سورة الشعراء ، الآيات : ٢٢١ ـ ٢٢٢.