وَالْآصالِ (٣٦) رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَإِقامِ الصَّلاةِ وَإِيتاءِ الزَّكاةِ يَخافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصارُ (٣٧) لِيَجْزِيَهُمُ اللهُ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ (٣٨))
(فِي بُيُوتٍ) أي : يهدي الله لنوره من يشاء في مقامات (أَذِنَ اللهُ) أن يرفع بناؤها وتعلى درجاتها (وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ) باللسان والمجاهدة والتخلّق بالأخلاق في مقام النفس والحضور والمراقبة ، والاتّصاف بالأوصاف في مقام القلب والمناجاة والمكالمة ، والتحقيق بالأسرار في مقام السرّ والمناغاة بالمشاهدة ، والتحيّر في الأنوار في مقام الروح والاستغراق والانطماس والفناء في مقام الذات.
(يُسَبِّحُ لَهُ فِيها) بالتزكية والتنزيه والتوحيد والتجريد والتفريد بغدوّ التجلي وآصال الاستتار (رِجالٌ) أي : رجال أفراد سابقون مجرّدون مفردون قائمون بالحق (لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ) باستبدال متاع العقبى بالدنيا في زهدهم ، ولا بيع أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة في جهادهم عن ذكر الذات (وَإِقامِ) صلاة الشهود في الفناء (وَإِيتاءِ) زكاة الإرشاد والتكميل حال البقاء (يَخافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ) إلى الأسرار (وَالْأَبْصارُ) إلى البصائر ، بل تتقلب حقائقها بأن تفنى وتوجد بالحق ، كما قال : «كنت سمعه وبصره» من ظهور البقية وبقاء الإنية (لِيَجْزِيَهُمُ اللهُ) بالوجود الحقانيّ (أَحْسَنَ ما عَمِلُوا) من جنات الأفعال والنفوس والأعمال (وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ) من جنات القلوب والصفات (وَاللهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ) من جنات الأرواح والمشاهدات (بِغَيْرِ حِسابٍ) لكونه أكثر من أن يحصى ويقاس.
[٣٩] (وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمالُهُمْ كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً حَتَّى إِذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسابَهُ وَاللهُ سَرِيعُ الْحِسابِ (٣٩))
(وَالَّذِينَ كَفَرُوا) حجبوا عن الدين (أَعْمالُهُمْ) التي يعملونها رجاء الثواب (كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ) لكونها صادرة عن هيئات خالية قائمة بساهرة نفس حيوانية (يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً) أي : يتوهمها صاحبها المؤمل لثوابها أمورا باقية لذيذة دائمة مطابقة لما توهمه (حَتَّى إِذا جاءَهُ) في القيامة الصغرى (لَمْ يَجِدْهُ) شيئا موجودا ، بل خاليا ، فاسدا ، وظنا كاذبا ، كما قال تعالى : (وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً (٢٣)) (١).
(وَوَجَدَ اللهَ عِنْدَهُ) أي : وجد ملائكة الله من زبانية القوى والنفوس السماوية والأرضية عند ذلك التخيّل الموهوم يقودونه إلى نيران الحرمان وخزي الخسران ، ويوفونه ما يناسب
__________________
(١) سورة الفرقان ، الآية : ٢٣.