كلّا منهم بما يناسبه من الحكمة ، ويزكيه بما يليق به من الخلق ، ويعلّمه ما ينتفع به من العلم على حسب استعداداتهموصفاتهم وإلا لم يمكنه دعاء الكل. فعلى هذا كون التنزيل مفرّقا منجما إنما يكون بحسب اختلاف صفات نفسه في الظهور منها على أوقاته موجبا لتثبت قلبه في الاستقامة في السلوك إلى الله ، وفي الله عند الاتصاف بصفاته ، ومن الله في هداية الخلق ، وتلك هي الاستقامة التامة المطلقة. فليقتدي به السالكون والواصلون والكاملون المكملون في سلوكهم وكونهم مع الحق وتكميلهم.
والترتيل هو أن يتخلل بين كل نجم وآخر مدة يمكن فيها تزايله في قلبه ويترسخ ويصير ملكة لا حالا ومن هذا تبين معنى قوله : (وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ) أي : صفة عجيبة (إِلَّا جِئْناكَ بِالْحَقِ) الذي يقمع باطل تلك الصفة كما قال : (بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ) (١) وهو الفضيلة المقابلة لتلك الرذيلة (وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً) أي : كشفا بإظهار صفة إلهية تجلي بها لك تقوم مقامها فتكشفها ، وبالحقيقة تلك الصفة الإلهية الكاشفة إياها هي تفسير الصفة الباطلة ومعاناتها فإن كل صفة نفسانية ظلّ ظلماني لصفة إلهية نورانية تنزّلت في مراتب التنزلات واحتجبت وتضاءلت وتكدّرت كالشهوة للمحبة والغضب للقهر وأمثالها.
[٣٤ ـ ٤٢] (الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلى وُجُوهِهِمْ إِلى جَهَنَّمَ أُوْلئِكَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضَلُّ سَبِيلاً (٣٤) وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَجَعَلْنا مَعَهُ أَخاهُ هارُونَ وَزِيراً (٣٥) فَقُلْنَا اذْهَبا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَدَمَّرْناهُمْ تَدْمِيراً (٣٦) وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْناهُمْ وَجَعَلْناهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً وَأَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ عَذاباً أَلِيماً (٣٧) وَعاداً وَثَمُودَ وَأَصْحابَ الرَّسِّ وَقُرُوناً بَيْنَ ذلِكَ كَثِيراً (٣٨) وَكُلاًّ ضَرَبْنا لَهُ الْأَمْثالَ وَكُلاًّ تَبَّرْنا تَتْبِيراً (٣٩) وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَها بَلْ كانُوا لا يَرْجُونَ نُشُوراً (٤٠) وَإِذا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُواً أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللهُ رَسُولاً (٤١) إِنْ كادَ لَيُضِلُّنا عَنْ آلِهَتِنا لَوْ لا أَنْ صَبَرْنا عَلَيْها وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلاً (٤٢))
(الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلى وُجُوهِهِمْ) لشدة ميل نفوسهم إلى الجهة السفلية فتنكست فطرتهم فبعثوا على صور وجوهها إلى الأرض يسحبون إلى نار الطبع (أُوْلئِكَ شَرٌّ مَكاناً) من أن يقبلوا الحق الدامغ لباطل صفاتهم (وَأَضَلُّ سَبِيلاً) من أن يهتدوا إلى صفات الله تعالى التي هي تفسير صفاتهم وكشفها.
[٤٣ ـ ٤٤] (أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً (٤٣) أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً (٤٤))
__________________
(١) سورة الأنبياء ، الآية : ١٨.