(أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ) كل محجوب بشيء واقف معه ، فهو محبّ له ، مجانس لذلك الشيء ، فهو في الحقيقة عابد لهواه بعبادته لذلك المحبوب ، والباعث لهواه على محبة غير الله هو الشيطان ، فمحبّ كل شيء غير الله لا لله وبغير محبة الله عابد له ولهواه وللشيطان متعدد المعبود متفرق الوجهة.
أبعد ذلك (تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً) بدعوته إلى التوحيد وقد كان في غاية البعد محجوبا بظلّ من ظلاله.
[٤٥ ـ ٤٦] (أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شاءَ لَجَعَلَهُ ساكِناً ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً (٤٥) ثُمَّ قَبَضْناهُ إِلَيْنا قَبْضاً يَسِيراً (٤٦))
(أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَ) بالوجود الإضافي. اعلم أن ماهيات الأشياء وحقائق الأعيان هي ظل الحق وصفة عالمية الوجود المطلق ، فمدها إظهارها باسمه النور الذي هو الوجود الظاهر الخارجي الذي يظهر به كل شيء ويبرز كتم العدم إلى فضاء الوجود أي الإضافي (وَلَوْ شاءَ لَجَعَلَهُ ساكِناً) أي : ثابتا في العدم الذي هو خزانة وجوده ، أي : أمّ الكتاب واللوح المحفوظ الثابت وجود كل شيء فيهما في الباطن وحقيقته لا العدم الصرف بمعنى اللاشيء فإنه لا يقبل الوجود أصلا ، وما ليس له وجود في الباطن وخزانة علم الحق وغيبه لم يمكن وجوده أصلا في الظاهر ، والإيجاد والإعدام ليس إلا إظهار ما هو ثابت في الغيب وإخفاؤه فحسب وهو الظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم (ثُمَّ جَعَلْنَا) شمس العقل (عَلَيْهِ) أي : الظل (دَلِيلاً) يهدي إلى أن حقيقته غير وجوده وإلا فلا مغايرة بينهما في الخارج فلا يوجد إلا الوجود فحسب ، إذ لو لم يمكن وجوده لما كان شيئا فلا يدلّ على كونه شيئا غير الوجود إلا العقل (ثُمَّ قَبَضْناهُ إِلَيْنا) بإفنائه (قَبْضاً يَسِيراً) لأن كل ما يفنى من الموجودات في كل وقت فهو يسير بالقياس إلى ما سبق ، وسيظهر كل مقبوض عما قليل في مظهر آخر. والقبض دليل على أن الإفناء ليس إعداما محضا بل هو منع عن الانتشار في قبضته التي هي العقل الحافظ لصورته وحقيقته أزلا وأبدا.
[٤٧] (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِباساً وَالنَّوْمَ سُباتاً وَجَعَلَ النَّهارَ نُشُوراً (٤٧))
(وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ) ليل ظلمة النفس (لِباساً) يغشاكم بالاستيلاء عن مشاهدة الحق وصفاته والذات وظلالها فتحتجبون يوم الغفلة في الحياة الدنيا (سُباتاً) تسبتون بها عن الحياة الحقيقية السرمدية كماقال عليهالسلام : «الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا». (وَجَعَلَ) نهار نور الروح (نُشُوراً) تحيا قلوبكم به فتنتشرون في فضاء القدس بعد نوم الحسّ.
[٤٨ ـ ٤٩] (وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً (٤٨) لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنا أَنْعاماً وَأَناسِيَّ كَثِيراً (٤٩))