عَبْدُ اللهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (٣٠) وَجَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا (٣١) وَبَرًّا بِوالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيًّا (٣٢) وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (٣٣) ذلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ (٣٤))
(وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ) نخلة نفسك التي بسقت في سماء الروح باتصالك بروح القدس ، واخضرّت بالحياة الحقيقية بعد يبسها بالرياضة وجفافها بالحرمان عن ماء الهوى وحياته ، وأثمرت المعارف والمعاني ، أي : حركيها بالفكر (تُساقِطْ عَلَيْكِ) من ثمرات المعارف والحقائق (رُطَباً جَنِيًّا فَكُلِي) أي : من فوقك رطب الحقائق والمعارف الإلهية وعلم تجليات الصفات والمواهب والأحوال (وَاشْرَبِي) من تحتك ماء العلم الطبيعي وبدائع الصنع وغرائب الأفعال الإلهية وعلم التوكل وتجليات الأفعال والأخلاق والمكاسب ، كما قال تعالى : (لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ) (١) (وَقَرِّي عَيْناً) بالكمال والولد المبارك الموجود بالقدرة ، الموهوب بالعناية (فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً) أي : من أهل الظاهر المحجوبين عن الحقائق بظواهر الأسباب وبالصنع والحكمة عن الإبداع والقدرة الذين لا يفهمون قولك ولا يصدّقون بك وبحالك لوقوفهم مع العادة ، واحتجابهم بالعقول المشوبة بالوهم المحجوبة عن نور الحق (فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً) أي : لا تكلميهم في أمرك شيئا ولا تماديهم فيما لا يمكنهم قبوله حتى ينطق هو بحاله (وَالسَّلامُ عَلَيَ) في المواطن الثلاثة كما على يحيى لكون ذاتي مجردة مقدّسة لا تحتجب بالمواد حتى في الطفولة ، إذ معنى السلام : التنزّه عن العيوب اللاحقة بواسطة تعلق المادة (ذلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِ) أي : كلمته التي هي عبارة عن ذات مجرّدة أزلية ، كما مرّ غير مرة.
[٣٥ ـ ٣٩] (ما كانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحانَهُ إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٣٥) وَإِنَّ اللهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ (٣٦) فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ (٣٧) أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنا لكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٣٨) وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (٣٩))
(ما كانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ) لامتناع وجود شيء آخر معه (سُبْحانَهُ) عن أن يوجد معه شيء (فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) أي : يبدعه بمجرّد تعلق إرادته به من غير زمان.
[٤٠ ـ ٥١] (إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْها وَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ (٤٠) وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِبْراهِيمَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا (٤١) إِذْ قالَ لِأَبِيهِ يا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً (٤٢) يا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ ما لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِراطاً سَوِيًّا (٤٣) يا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطانَ
__________________
(١) سورة المائدة ، الآية : ٦٦.