الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ) (٣١) [يونس : ٣١] تضمنت دليل التوحيد من وجوه :
أحدها : أن الله ـ عزوجل ـ هو الرازق من السماوات والأرض بالمطر والنبات ، وكل من كان كذلك فهو الإله الحق.
الثاني : أنه ـ عزوجل ـ هو الذي يملك السمع والأبصار وكل من ملك السمع والأبصار هو الإله الحق ، ومعناه يتصرف في السمع والبصر فلا يدركان شيئا من مدركاتهما إلا بإذنه وإرادته ، وتعلق به الاتحادية ؛ قالوا : لم يملك ذلك إلا وهو سار في الأجسام / [٢٢٢ / ل] ، وليس بلازم ، وهذا المغناطيس يتصرف في الحديد من غير سريان ولا ملابسة.
وقد سبق القول معهم في الأنعام.
الثالث : أنه ـ عزوجل ـ يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي.
الرابع : أنه يدبر الأمر ، أي أمر السماوات والأرض بالتحريك والتسكين والتسخير والتصريف ، والتقدير. وقد وافق الكفار المخاطبون بهذا الخطاب على هذه الوجوه كلها بقولهم : هو الله ، وكل من كان كذلك فهو الإله الحق ، فالله ـ عزوجل ـ هو الإله الحق ، وليس بعد الحق إلا الضلال ؛ إذ لا واسطة بين الحق والباطل ، والهدى والضلال. فإن أجبتم إلى التوحيد وإلا فأنتم ضلال.
(كَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا) [يونس : ٣٣] أي خرجوا عن الإيمان بالكفر (أَنَّهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) [يونس : ٣٣] احتج به الجمهور لأنه ـ عزوجل ـ أخبر بأن كلمته حقت عليهم بالكفر ، وكل من حقت عليه الكلمة بالكفر لا يؤمن واستحال منه الإيمان ؛ فهؤلاء لا يؤمنون. ومعنى حقت عليهم الكلمة تعلق العلم والإرادة الأزليان بكفرهم ، وكل ما تعلقا به كان واجب الوقوع ، فكفر هؤلاء واجب الوقوع ، وكل واجب الوقوع من الإنسان فهو مجبور عليه ، فهؤلاء مجبورون على كفرهم ، والجور غير لازم لما سبق في مقدمة الكتاب.
(قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلِ اللهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ) (٣٤) [يونس : ٣٤] الآيتين تضمنتا دليلين على التوحيد أحدهما هكذا : الله ـ عزوجل ـ يبدأ الخلق ثم يعيده ، وشركاء الكفار أي آلهتهم التي ادعوا أنها شركاء في