(وَقالَ مُوسى يا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ) (٨٤) [يونس : ٨٤] يقتضي أن التوكل من مهمات الإيمان حتى يكاد يكون شرطا فيه أو على كماله ، وشواهده كثيرة ، وتوجيهه أن التوكل هو التفويض ، ومن لا يفوض إلى الله ـ عزوجل ـ فكأنه لم يرض به ربا ومدبرا ، فإن كان ذلك عن عمد واحتقار لشأن القدرة فهو كفر ، وإن كان من ضعف وغلبة جزع فهو نقص من الإيمان أو كماله.
(وَقالَ مُوسى رَبَّنا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوالاً فِي الْحَياةِ الدُّنْيا رَبَّنا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ) (٨٨) [يونس : ٨٨] يقال : إنها انقلبت حجارة وحصى ، وهو مسخ في الجماد ، وقد [قال بعض العلماء المحققين المتأخرين رضي الله عنهم :] رأيت بسفح جبل المقطم بالقاهرة حصى مستديرا منقوشا على هيئة الدنانير ، وحتى لم أشك أول ما رأيتها أنها دنانير وهي كثيرة جدا يجمع منها / [١٠٤ ب / م] قناطير كثيرة ، زعم الناس هناك أن هذا موضع خزائن فرعون ، وأن هذا مما مسخ [من ماله ، ثم إني رأيت] في أحد أهرام الجيزة بمصر أحجارا فيها حصى (ملصق) على هيئة الدنانير ، فترددت حينئذ فيما قيل من أن ذلك مما مسخ من مال فرعون ، إذ الأهرام قبل فرعون بدهور ، ثم زال عني التردد لاحتمال أن مال فرعون مسخ على هيئة تلك الأحجار القديمة ، كما مسخ بعض الناس على صورة القردة والخنازير ، أو لأن ذلك عذاب عذب الله ـ عزوجل ـ به قوما قبل آل فرعون فمسخ أموالهم ، غير ذلك من الاحتمالات.
قوله تعالى : (وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا) [يونس : ٨٨] أي اربط عليها فلا يدخلها الإيمان كالوعاء المربوط وهو الطبع والختم بما يخلق فيها من دواعي الكفر والصوارف عن الإيمان.
(وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً حَتَّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ) (٩٠) [يونس : ٩٠] يحتج به من [لا علم له] أن فرعون مات مسلما ، وهو خلاف النصوص والإجماع ، أما النصوص فقوله ـ عزوجل ـ بعد هذه مقرعا له : (آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ) (٩١) [يونس : ٩١] وهذا إنكار من