(وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللهِ لا تُحْصُوها إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) (٣٤) [إبراهيم : ٣٤] هذا واضح ولو لم يكن إلا أن للإنسان / [١١٤ ب / م] حواس خمسا يدرك بها محسوساتها ، وعليه بكل واحد منها نعمة ، وهو لا يطيق إحصاءها ، بل حس البصر وحده أو حس أيها شئت لا يطيق إحصاءه ، وأنت تدرك ببصرك نجوم السماء ؛ فعليك بإدراك كل نجم نعمة ، فهل تحصي نجوم السماء ، كلا ، فالحمد لله عدد نعمه على جميع خلقه ، ما بين الأزل والأبد حمدا يوافي نعمه ، ويكافئ مزيده.
(وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ) (٣٥) [إبراهيم : ٣٥] يستدل به على ما سبق من أن عصمة الأنبياء ـ عليهمالسلام ـ إنما هي من وقوع الكفر ، لا من جوازه عليهم ، وإلا لم يكن لهذا الدعاء فائدة ، ولم يصح كما لا يصح أن يقول : اجنبني أن أكون بشرا حجرا في حالة واحدة.
(رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (٣٦) [إبراهيم : ٣٦] أي : كن سبب ضلالهم ، [وإلا] فالمضل لهم بالحقيقة ، إما هم لأنفسهم على رأي المعتزلة ، أو الله ـ عزوجل ـ على رأي الجمهور.
(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعاءِ) (٣٩) [إبراهيم : ٣٩] هذا يقتضي أن الولد نعمة يحمد عليها ، وقد ثبت الولد من زينة الدنيا ، فيقال : هكذا الولد نعمة والولد زينة ، ينتج بعض النعمة زينة وينعكس بعض الزينة نعمة ، والغرض من هذا التعريف كيفية نظم المقدمات المتفرقة في القرآن واستنتاج نتائجها ، وكذلك ثبت أن بعض الولد عدو ، والولد نعمة ينتج بعض العدو نعمة ، فبعض النعمة عدو.
وعلى هذا وإن أمكن تخلف بعض [الشروط] فيما ذكرناه لكن المقصود تعريف تأليف مقدمات القرآن ، وعليك أنت باعتبار شروط القياس.
(لِيَجْزِيَ اللهُ كُلَّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ) (٥١) [إبراهيم : ٥١] [إن أريد ما كسبت] من خير فهو عام مطرد ، بل ويزاد بالحسنة عشرا ، وإن أريد ما كسبت من خير وشر فهو عام مخصوص بمن يعفو الله ـ عزوجل ـ عنه ، وهذا بحسب التكليف الظاهر ، أما بحسب باطن علم الله ـ عزوجل ـ فالظاهر اطراده ، إذ كل نفس تجزى بعملها بحسب علمه الباطن كما سبق في (يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُ