عبادي فليس متصلا ، إذ ليس «الغاوين» من العباد الذين ليس لإبليس عليهم سلطان ، وإلا لما كانوا غاوين ، فهو إذن منقطع ، وإنما يتم دليلكم أن لو كان متصلا.
واعلم أن استثناء الأقل صحيح ، والاستثناء المستغرق باطل ، واستثناء الأكثر والنصف محل خلاف ، وهو في الأكثر أبعد.
(قالُوا إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ (٥٨) إِلَّا آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ (٥٩) إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنا إِنَّها لَمِنَ الْغابِرِينَ) (٦٠) [الحجر : ٥٨ ـ ٦٠] هذا استثناء من استثناء ، الأول منفي فالثاني مثبت ، بناء على أن الاستثناء من الإثبات نفي ، ومن النفي إثبات خلافا للحنفية ، ومأخذ الخلاف أنا إذا قلنا ما قام أحد إلا زيد ، هل زيد محكوم عليه بإثبات القيام ، أو أنه مجرد حكم إثبات أو نفي ، وهذا قولهم ، والأشبه الأول ، [لأن الاستثناء] يتضمن جملتين بمقتضى لسان العرب مستثنى منها ومستثناة ، فهما إما موجبتان أو سالبتان ، وهو باطل ؛ إذ هو تطويل محض بلا فائدة ، أو الأولى موجبة والثانية سالبة ، وهو خلاف الفرض ، إذ الكلام في الاستثناء من النفي ، فتعين الرابع ، وهو أن : الأولى سالبة والثانية موجبة وهو المطلوب.
واستدل عليه بأن الاستثناء من النفي لو لم يكن إثباتا لما حصل التوحيد بلا إله إلا الله ، واللازم باطل بالإجماع فالملزوم كذلك.
وأجيب بأن ثبوت إلهية الله ـ عزوجل ـ إنما حصلت بدليل العقل لا من هذا اللفظ ، واحتج الحنفية بأن الاستثناء من النفي لو كان إثباتا ، للزم من قوله صلىاللهعليهوسلم : «لا صلاة إلا بطهور» (١) و (لا نكاح إلا بولي) (٢) صحة الصلاة والنكاح بمجرد حصول الطهور والولي ، واللازم باطل فالملزوم كذلك ، ويجاب بوجهين :
أحدهما : أن الخلاف في الاستثناء من ذات متعددة نحو : ما قام القوم إلا زيد ، وما
__________________
(١) رواه مسلم في صحيحه كتاب الطهارة [٣ / ١٢٨ / ٢٢٤] ورواه الترمذي في أبواب الطهارة [١ / ٥ / ١].
(٢) رواه أحمد في المسند [٤ / ٣٩٤ ، ٤١٣ ، ٤١٨] وأبو داود كتاب النكاح [٢ / ٢٢٩ / ٢٠٨٥] والترمذي كتاب النكاح [٣ / ٤٠٧ / ١١٠١] وابن ماجة كتاب النكاح [١ / ٦٠٥ / ١٨٨١] وابن حبان [٦ / ١٥٢ ، ١٥٣ ، ١٥٤ ، ١٥٦ / رقم ٤٠٦٥ ، ٤٠٦٦ ، ٤٠٧١ ، ٤٠٧٨] والحاكم في المستدرك [٢ / ١٦٩ ، ١٧١ ، ١٧٢] ورواه أحمد في المسند [١ / ٢٥٠] وابن ماجة كتاب النكاح [١ / ٦٠٥ / ١٨٨٠] والطبراني [١١ / ٣٤٠ / ح ١١٩٤] و [١٢ / ٦٤ / رقم / ١٢٤٨٣].