قاطعا في أنه بلغه فأقر عليه ، وذلك حجة في إباحة لحم الفرس ، وربما علل المانعون بأن في إباحة لحم الخيل إغراء بها وتقليلا لآلة الجهاد ، وهو جيد ، غير أنه منتقض بالإبل كانت أكثر آلة جهادهم ، وقد أبيح أكلها باتفاق ، وليس لمانع أن يمنع كون الإبل من آلة الجهاد ، لقوله ـ عزوجل ـ : (وَما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ وَلكِنَّ اللهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (٦) [الحشر : ٦].
(وَعَلَى اللهِ قَصْدُ السَّبِيلِ) أي إرشاد قصد السبيل ، أي عليه أن يرشدكم إلى السبيل الأقصد والطريق الأقوم الأرشد ، وهذا وجوب منه لا عليه ، خلافا للمعتزلة بناء على وجوب رعاية مصالح التكليف واللطف بالمكلف على الله ـ عزوجل ـ عندهم ، وأنشد بعضهم في نحو ذلك :
يا من تمكن في علم ومعرفة |
|
مفرقا بين صدق القول والكذب |
هل جائز من كريم كل ذي كرم |
|
عبد له من جميع العجم والعرب |
يدعو إلى فضله قوما ويمنعهم |
|
عند ابتداء بلا جرم ولا سبب |
وتحدى صاحب هذه الأبيات بها جماعة من أهل العلم ، فوقفوا إلا عن قوله : (لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ) (٢٣) [الأنبياء : ٢٣].
وجواب ذلك لا يخرج عما قررناه في مقدمة هذا التعليق من رأي الجبرية ، وهو أنه يمنعهم لعلمه بأن لو فوض إليهم خلق أفعالهم / [١١٧ ب / م] لامتنعوا من الطاعة و [قارفوا] المعصية ، وكذلك من دعا إلى مأدبة قوما جاز أن يمنع بعضهم عنها بأسباب توجب منعه ، لعلمه لفساد نية أو خبث طوية ، أو لعلمه بأنه إنما أجاب كارها أو متثاقلا ، وأنه لو ترك وعزمه لم يجب. (وَلَوْ أَرادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلكِنْ كَرِهَ اللهُ انْبِعاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقاعِدِينَ) (٤٦) [التوبة : ٤٦].
ثم قوله : هل جائز؟ إن أراد الجواز العقلي وهو الإمكان الخاص ، فلا شكل في جوازه كذلك ، وإن أراد هل حسن؟ فهو تحسين عقلي ، وهو ممنوع.
ثم إن سؤاله خارج عن / [٢٥١ / ل] محل النزاع ؛ لأن فرضه أنه دعاهم ثم منعهم ابتداء بلا موجب ، ومحل النزاع فيما إذا منعهم لموجب اختص هو بعلمه ، (أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) (١٤) [الملك : ١٤].