الْأَسْواقِ وَجَعَلْنا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكانَ رَبُّكَ بَصِيراً) (٢٠) [الفرقان : ٢٠] فيه تصريح بالتسبب إلى إيقاع الفتنة والضلال ، ومعناه : جعلنا المرسلين يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق لنفتن بهم الكفار ، ليقولوا : أهؤلاء منّ الله عليهم من بيننا ، فيخالفونهم ، فيكفرون فيعذبهم.
وهذه مقدمات صحيحة يستلزم بعضها بعضا ، مستندا ذلك إلى ما فطرهم عليه من الكبر وخلق فيهم من صوارف الإيمان ودواعي الكفر.
(وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً) (٢٣) [الفرقان : ٢٣] سبق معناه في سورة النور عند (وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمالُهُمْ كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً حَتَّى إِذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسابَهُ وَاللهُ سَرِيعُ الْحِسابِ) (٣٩) [النور : ٣٩].
(وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلاً) (٢٥) [الفرقان : ٢٥] فيه دليل على أن السماء والأفلاك تقبل الخرق والالتئام ؛ خلافا للفلاسفة ، وحجتهم أن حركة الفلك مستديرة والخرق والالتئام إنما يكون بحركة مستقيمة ، واجتماعها في موضوع واحد محال ؛ ولأن الفلك هو المحدد للجهات ، فلو قبل الخرق والالتئام لكان ذلك بحركة قطعا ، وتلك الحركة لا بد وأن تكون إلى جهة ، ولا جهة وراء محدد الجهات.
والجواب عن الأول : أنه مبني على أن الصانع فاعل بالطبع ، وأن العلويات لا تقبل الزوال ، وذلك ممنوع / [٣١٣ / ل] ، بل الصانع فاعل بالاختيار ، فهو باختياره يسلب الفلك حركته المستديرة ويحركه بالمستقيمة ، فيقبل الخرق.
وعن الثاني : بأنه مبني على أن الجهة أمر ثبوتي متقرر لا تتجاوزه حركة وهو ممنوع ، بل هي أمر اعتباري أو إضافي فلا يلزم فيها ما ذكرتم ، ولأن العلويات أجسام ، وكل جسم يقبل الخرق والالتئام.
(يا وَيْلَتى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً (٢٨) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جاءَنِي وَكانَ الشَّيْطانُ لِلْإِنْسانِ خَذُولاً) (٢٩) [الفرقان : ٢٨ ـ ٢٩] أي بالكسب والتسبب عند الجمهور ، وبالخلق عند القدري.
(وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ