الجمهور ، وبالذات والحقيقة عند الاتحادية.
(فَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ) (٦٣) [الشعراء : ٦٣] أي فضربه فانفلق ، وهذا من دلالة الاقتضاء وهى التزامية ؛ إذ انفلاقه يستلزم سببا وهو الضرب المأمور به.
فإن قيل : كيف يتصور انفلاق البحر وتماسك أجزاء الماء ، وهو بطبعه سيال؟ قلنا : هو ممكن ، وكل ممكن مقدور. وبيان إمكانه أن طبع الماء مخلوق ، فالخالق له يقدر على إعدامه ؛ فيتماسك أو يخلق في الماء كثافة حجرية يستمسك بها ، كما يقلب الماء ملحا ، وقد سبق وتبرهن أن العناصر الأربعة يجوز انقلاب بعضها إلى بعض ، والماء أحدها ؛ فجاز انقلاب / [٣٦٦ / ل] طبعه كما ينقلب بغلبة الأرض اليابسة عليه فيصير طينا.
فإن قيل : ما السبب في انفعال البحر وغيره لعصا موسى؟ قلنا : أما على رأي المتكلمين ؛ فجعل الله ـ عزوجل ـ استعمال موسى لها أمارة على خوارق يخلقها عند ذلك ، فهي سبب وأمارة [لا علة ومؤثرة.
وأما على رأي الاتحادية ؛ فالله ـ عزوجل ـ بذاته ظهر فيها وجعلها مظهرا له يتجلى منها لمخلوقاته وهو ـ عزوجل ـ إذا تجلى لشيء خضع له] ، فلما تجلى للبحر من العصا خضع له ، فانفعل وانفلق ، كما أنه لما تجلى للجبل اندك ولموسى أخذه الصعق.
(قالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ (٧٢) أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ) (٧٣) [الشعراء : ٧٢ ، ٧٣] إشارة إلى سلب الأصنام الإلهية / [١٤٩ ب / م] لنقصها ، فيقتضي بقياس العكس أن الإله الحق كامل لا نقص فيه.
(قالُوا بَلْ وَجَدْنا آباءَنا كَذلِكَ يَفْعَلُونَ) (٧٤) [الشعراء : ٧٤] احتجوا بالتقليد الباطل.
(فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعالَمِينَ) (٧٧) [الشعراء : ٧٧] قيل : استثناء منقطع ؛ لأن رب العالمين ليس من جنس ما يعبدون هم وآباؤهم الأقدمون ، ويحتمل اتصاله ؛ لأن آباءهم الأقدمين يتناولهم إلى آدم ، وكثير منهم كان يعبد رب العالمين.
وهو داخل في عموم ما كانوا يعبدون ، فيكون إخراجه بالاستثناء متصلا.
(الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ) (٧٨) [الشعراء : ٧٨] يحتج به الجمهور على أن الله ـ عزوجل ـ مستقل بالهداية كاستقلاله بالخلق لاقترانهما في كلام إبراهيم ، ثم الضلال يقابل