(وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَناظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ) (٣٥) [النمل : ٣٥] قيل : أي منتظرة. ويستشهد به المعتزلة على أن ناظرة في قوله ـ عزوجل ـ : (إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) (٢٣) [القيامة : ٢٣] بمعنى منتظرة ، أي تنتظر نعم ربها ؛ لئلا يلزمهم ثبوت الرؤية.
ويجاب بأن قولها : (وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَناظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ) (٣٥) [النمل : ٣٥] معناه فرائية بم يرجع ، كما يقال : قد أرسلت إلى فلان بكذا لأنظر ، أي لأرى ما يكون منه ، وهى رؤية عين أو قلب ، فيسقط استشهادهم.
(قالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ) (٣٩) [النمل : ٣٩] إلى قول الآخر : (قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قالَ هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ) (٤٠) [النمل : ٤٠] فيه أن التصرف بالقدرة أعظم / [٣١٩ ل] من التصرف بالأقدار ؛ لأن تصرف العفريت لو وقع كان بإقدار الله ـ عزوجل ـ له عليه ، وتصرف الذي عنده علم من الكتاب كان بقدرة الله ـ عزوجل ـ بواسطة اسمه الأعظم ، فلذلك كان أسرع وأعظم.
(وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنا مَكْراً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) (٥٠) [النمل : ٥٠] فيه جواز وصف الله ـ عزوجل ـ بالمكر ، وهو بلوغ المقصود بطريق لطيف يخفى على الخصم ، ثم إن المخلوق إنما يستعمل المكر غالبا لعجزه عن بلوغ المقصود مجاهرة ، والله ـ عزوجل ـ يفعله على طريق الحكمة وإقامة الحجة ونحوه ، لا عجزا عن المجاهرة ؛ إذ لا يعجزه شيء.
قوله ـ عزوجل ـ : (قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلى عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفى آللهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ (٥٩) أَمَّنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَنْبَتْنا بِهِ حَدائِقَ ذاتَ بَهْجَةٍ ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَها أَإِلهٌ مَعَ اللهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ) (٦٠) [النمل : ٥٩ ـ ٦٠] إلى قوله ـ عزوجل ـ : (أَمَّنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أَإِلهٌ مَعَ اللهِ قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) (٦٤) [النمل : ٦٤] تضمن ذلك نحو خمس عشرة آية من آيات الله ـ