(وَاللهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْواجاً وَما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى وَلا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتابٍ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ) (١١) [فاطر : ١١] احتج به المعتزلة على أن القاتل يقطع حياة المقتول ، وينقص من عمره ، وقد دلت هذه الآية على جوازه وإليه وإلى نحوه الإشارة بها كالطبيب يسيء تدبير مزاج المريض ، فيقتله ونحو ذلك.
وجوابه أن الأجل / [١٦٤ ب / م] والعمر لا ينقص عما في علم الله ـ عزوجل ـ لما مر من النصوص عليه نحو : (قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلا نَفْعاً إِلَّا ما شاءَ اللهُ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَلا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ) (٤٩) [يونس : ٤٩] ، ومعنى هذه الآية ، ما يعمر من معمر ، ولا ينقص غيره عن عمره بأن يعيش المعمر مائة سنة ، وينقص آخر من عمر ذلك المعمر فيعيش خمسين ، وقيل : ينقص الإنسان من عمره بالنسبة إلى بنيته الصالحة لتعميره أكثر من ذلك مثل أن يعيش خمسين وبنيته وتركيبه يصلح لتعمير مائة ، وقيل غير ذلك ، وبالجملة ليست نصا فيما قالوه ، فلا تعارض النصوص فيما قلناه.
(ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللهِ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ) (٣٢) [فاطر : ٣٢] إن قيل : كيف يكون المصطفى ظالما؟ قيل : إنما يمتنع ذلك في شخص واحد من وجه واحد ، والمصطفى هاهنا أمة متعددة الأفراد ، فاصطفاؤها من حيث جملتها وظلمها من جهة أفرادها ، وذلك لا يمتنع.
(ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللهِ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ) (٣٢) [فاطر : ٣٢] ، أي : بإرادته ، ويحتج به الجمهور في أن إذن الله وإرادته وعلمه وقدرته هي المؤثرة في السبق والظلم والاقتصاد والشقوة والسعادة ، وأن الإنسان لا يستقل بشيء من ذلك.
(الَّذِي أَحَلَّنا دارَ الْمُقامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لا يَمَسُّنا فِيها نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنا فِيها لُغُوبٌ) (٣٥) [فاطر : ٣٥] يحتج به على أن دخول الجنة بفضل من الله ـ عزوجل ـ لا عوض عن الطاعات.
* * *