لجودة القريحة وكمال الفطرة ، وقد وقع مثله في القرآن كثير ، نحو (نَبِّئْ عِبادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (٤٩) [الحجر : ٤٩] ، وفى كلام الناس قول بعض المرضى لأهله : اذهبوا بي إلى الطبيب ، وقولوا قد اكتوى.
ويحكى أن جماعة من الشعراء جاءوا إلى منزل أوس بن حجر ليشاعروه ؛ فخرجت إليهم بنت له صغيرة ، فقالت : ما تريدون من أبي ، قالوا : جئنا لشاعره ؛ فقالت :
تجمعتم من كل أوب ووجهة |
|
على واحد لا زلتم قرن واحد |
فعادوا مغلوبين ، وهذا شعر جيد متين صدر عنها انسجاما ، ما لم تقصده ، فهذا سبيل ما صدر عنه صلىاللهعليهوسلم من الرجز على قلته وندوره.
والوجه الثاني : أن الشعر هو ما سمي به الإنسان شاعرا ، وهو نظم القصيد المتعدد الأبيات اللازم للوزن والروي ، ويطرد ذلك من صاحبه [٣٤٦ ل] وليس كذلك ما صدر عنه صلىاللهعليهوسلم فإن مجموع ما صدر عنه من ذلك هذا الذي أوردناه لا نحفظ عنه غيره ، وهو أبيات رجزية ، فاذة في أغراض مختلفة.
الثالث : أنهم أوردوا / [١٦٦ أ / م] الكلام المذكور عنه بتحريك أواخره ، أو سكونها ليخرج عن حد النظم إلى حد النثر ؛ فقالوا : أنا النبي لا كذب ، بفتح الباء أنا ابن عبد المطلب بكسرها ، وكذلك دميت ولقيت بسكون التاء فيهما ، وما عدا هذين البيتين فمسموع قبله لغيره ، فقوله : «إن تغفر اللهم» البيت محفوظ عن زيد بن عمرو بن نفيل ، أو عن أمية بن أبي الصلت ، وقوله : لو لا أنت ما اهتدينا ، محفوظ عن عامر بن الأكوع رجزية في طريقهم إلى خيبر ، وحينئذ يكون النبي صلىاللهعليهوسلم حاكيا له متمثلا به لا منشئا له ، كما كان يتمثل بقول طرفة : ويأتيك من لم تزود بالأخبار ، وبكسره هكذا تحقيقا لقوله ـ عزوجل ـ : (وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ) (٦٩) [يس : ٦٩] وكذا قوله : «اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة ، فاغفر للأنصار والمهاجرة» وهو نثر لا نظم ، وربما قال : فاغفر للمهاجرين والأنصار».
(أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ) (٧٧) [يس : ٧٧] إلى قوله ـ عزوجل ـ : (قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ) (٧٩) [يس : ٧٩] ذكر في الأثر أن أبي بن خلف ، أو عقبة بن أبي معيط أخذ عظما نخرا ، وقال : يا محمد ، أترى الله يبعثني إذا صرت مثل هذا؟ قال : «نعم يبعثك ، ثم يدخلك