النار» (١) ، فنزلت هذه الآيات مشتملة على جملة من أدلة البعث أحدها هذا وهو قياس الإعادة على الإبداء أي الذي ابتدأها ، أولا يعيدها ثانيا بجامع الإمكان والقدرة التامة ، وقد سبق هذا.
ثم احتجت النصارى بهذه الآية على إلهية المسيح إلزاما للمسلمين ، وتقريره : أن المسيح أحيا العظام وهي رميم ، وكل من أحيا العظام وهي رميم فهو الذي أنشأها أول مرة ، فالمسيح هو الذي أنشأها أول مرة ، أما الأولى فلنصوص القرآن والإنجيل إجماع الملتين على أن المسيح [أحيا الموتى ، وأما الثانية فلهذه الآية إذ اقتضت أن لا محيي للعظام إلا منشئها أول مرة ؛ فثبت أن المسيح] منشئ العظام أول مرة ، ومنشئ العظام أول مرة هو الله فالمسيح هو الله ، وهذه شبهة روجوها هكذا والغلط فيها واضح ، فإن قولهم : المسيح أحيا العظام وهي رميم ، إن أرادوا أنه أحياها مستقلا بإحيائها ، فهو ممنوع ، وإن أرادوا أنه أحياها بإذن الله كما صرح به القرآن ، فإن أخذوا المقدمة الأخرى مقيدة بهذا القيد منعناها أيضا ، وإن أخذوها بدونه لم يتحد الأوسط / [٣٤٧ ل] في القياس ، فلا تنتج ، إذا يصير هكذا : المسيح أحياها بإذن الله ، وكل من أحياها مطلقا هو الذي أنشأها ، فالوسط كما تراه غير متحد ، ثم ما ذكروه معارض بأن الله يحيي العظام / [١٦٦ ب / ل] مستقلا بإحيائها والمسيح أحياها غير مستقل بإحيائها ، فالله غير المسيح فالمسيح غير الله ، أو نقول المسيح أحياها بإذن الله ، ولا أحد ممن أحياها بإذن الله بإله ؛ فالمسيح ليس بإله ، أما الأولى فلنص كتابنا ونص الإنجيل أنه كان إذا أراد إحياء ميت صلى ودعا وبكى وخضع ، وذلك دليل على عدم استقلاله بذلك بدون إذن الله ، وأما الثانية ؛ فلأن الحاجة إلى الإذن دليل على قصور في القدرة ، ولا أحد ممن هو قاصر القدرة بإله فهذا هو البرهان الواضح لا ما روجوه وغالطوا فيه.
ثم قوله ـ عزوجل ـ : (قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ) (٧٩) [يس : ٧٩] ، إشارة إلى ما ذكرناه في قوله : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عالِمِ الْغَيْبِ لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي
__________________
(١) رواه الطبري [٢٣ / ٣٠] وأخرجه الحاكم في المستدرك [٢ / ٤٢٩] وذكره السيوطي في الدر المنثور [٥ / ٥٠٧].