الْأَرْضِ وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ) (٣) [٣] في سبأ.
(الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ) (٨٠) [يس : ٨٠] تضمنت الدليل الثاني على البعث ، وبيانه أن الذي أحاله منكر.
والبعث هو إخراج الجسم الحي المشتمل على الحرارة والرطوبة من عظم نخر ، قد استولت عليه طبيعة التراب الباردة اليابسة ، وذلك إخراج ضد من ضد وإيجاد طبع الحياة من طبع الموت ، وأنه محال فيما زعموا فقيل لهم : هذا الشجر الأخضر الرطب قد أخرجنا لكم منه نارا في غاية اليبوسة ، أنتم تستخرجونها بأيديكم من المرخ والعفار وغيرهما من الأشجار وهو إخراج يابس من رطب وضد من ضد ؛ فإذا جاز إخراج يابس الناس من رطب الشجر ، فلم لا يجوز إخراج رطب الحي من يابس العظم النخر؟ فإما أن تأتوا بفرق صحيح بين الصورتين ولن تجدوا ، أو تمنعوا الجواز في الصورتين ولن تستطيعوا لثبوته عيانا في إخراج النار من الشجر أو تسلموا الجواز في الصورتين وهو المطلوب.
فإن قال قائل : إن إخراج الجسم الرطب الحي من العظم اليابس ، محال لاحتياج الجسم إلى الرطوبة وهي معدومة في العظم الترابي اليابس بخلاف إخراج النار من الشجر الأخضر لجواز كمون النار في الشجر لغلبة العنصر الناري عليه ، فتقاوم رطوبة الشجرة ما يقابلها من النار وتبقى بقية النار لا معارض لها تخرج عند استخراجها بالقدح ، ومثل هذا التوجيه لا يتأتى في إخراج الحي من العظم فظهر الفرق [٣٤٨ ل].
فالجواب أن الاحتياج لم يقع على توجيه إخراج الحي من العظم [الميت] بالتوجيه الطبيعي الذي ذكرتموه ، حتى يصح مقتضى هذا الفرق ، وإنما وضع على جواز إخراج الضد الطبيعي من ضده على مشترك بين الصورتين ، إذ إخراج اليابس / [١٦٧ أ / م] من الرطب ، وإخراج الرطب من اليابس كلاهما يجمعه إخراج ضد من ضد.
أما توجيه حصول الرطوبة للجسم ، فذاك ثبت بدليل آخر ، وهو أنه ممكن ، وكل ممكن مقدور ، وبيان إمكانه أنه يجوز أن تستخرج له رطوبة مائية في الأرض ، أو تمطر عليه من السماء ، أو تخترع له اختراعا ، وقد ورد أن الأرض تمطر عند إرادة البعث أربعين يوما مطرا كمني الرجال.
وحينئذ لا يبعد أن تجعل في الأرض حرارة كحرارة الرحم يتولد منها ، ومن ذلك الماء الغليظ اللزج ما تقوم به الأجسام حية ، ثم هذا البذر يقع يابسا في أرض يابسة فتهتز بعد أيام خضراء يعصر فيخرج منه الماء ، فمن أين ذلك؟