(وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ) (١٠٧) [الصافات : ١٠٧] سلمنا أنه لا يلزم ذكره ، لكن لو صح ما ذكرتموه ، لما كان للفداء بالكبش معنى ؛ لأن معنى الآية : وفديناه من الذبح بذبح عظيم فلو كان قد ذبح كما زعمتم لكان هذا الإخبار غير مطابق.
(وَبَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ) (١١٢) [الصافات : ١١٢] يحتج به من رأى أن الذبيح إسماعيل ، لأنه لما فرغ من قصة الذبيح بشر بإسحاق ، وهو يدل على أن الذبيح غيره ، وليس إلا إسماعيل وليس بنص ، إذا العطف بين القصتين ، أعني : قصة الذبح والبشرى بالواو ، وهي لا تفيد الترتيب واحتمل أنه بشر بإسحاق أولا ثم أمر بذبحه ثانيا ، وقد اختلف الناس في الذبيح ، فالمسلمون على أنه إسماعيل ، وأهل الكتاب على أنه إسحاق وعن أحمد فيه القولان :
احتج الأول بوجوه : أحدها : ما ذكرناه من سياق القصة وهو إن لم يكن نصا فهو ظاهر.
الثاني : أن إسماعيل هو أكبرهما ؛ [فالظاهر أن] الامتحان كان فيه ؛ لأنه الأنفس والأفضل عند الأب عادة.
الثالث : قوله : (وَقالَ إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي سَيَهْدِينِ (٩٩) رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ (١٠٠) فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ) (١٠١) / [٣٥٣ ل]) [الصافات : ٩٩ ـ ١٠١] ثم استطرد قصته دل على أن المذبوح هو أول ما وهب له من الولد وهو إسماعيل ، وهذا الوجه كالدليل والمستند للذي قبله وبينهما اشتباه وتغاير.
الرابع : قوله : (فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ) (١٠١) [الصافات : ١٠١] والأب تظهر أخلاقه في أولاده ، والعرب الذين هم بنو إسماعيل أحلم من بني إسرائيل الذين هم بنو إسحاق فالظاهر أن الحليم المأمور بذبحه هو إسماعيل.
الخامس : من قوله هاهنا : (سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ) (١٠٢) [الصافات : ١٠٢] مع قوله في الأنبياء : (وَإِسْماعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ) (٨٥) [الأنبياء : ٨٥] فوصف بالصبر هنا مبهما ، وفى الأنبياء مبينا والمبين يقضي على المجمل المبهم ، فالظاهر أن الصابر هناك هو الصابر المذبوح هنا.
السادس : قوله صلىاللهعليهوسلم : «أنا ابن الذبيحين ولا فخر» وهو من ولد إسماعيل لا إسحاق.